انفو غراف تراكم الخلافات الأمريكية–الإسرائيلية
بيروت :good-press.net | يستمر التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في اجتياز موجات من التناقضات السياسيّة والأمنيّة، لا سيّما مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد فوزه في آخر جولة رئاسية. يتداخل ملف الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي مع القضايا الإقليميّة الكبرى، أبرزها الاتفاق النووي الإيراني، ما أطلق ديناميكيّة متجددة في الخلافات بين واشنطن وتل أبيب تحت إدارة ترامب الجديدة. يستعرض هذا التقرير المحطّات الأساسية لتراكم التباينات منذ عهدي أوباما مرورًا بفترة بايدن، وصولًا إلى عودة التوترات تحت إدارة ترامب.
1. خلافات عهد أوباما مع نتنياهو
1.1 الانتقادات العلنيّة واللقاءات المشحونة
- خلال رئاسة باراك أوباما، نمت حدة التوتر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أعلى مستوياتها، لا سيّما بعد دعوة نتنياهو الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي للتصدّي للاتفاق النووي مع إيران عام 2015.
- استشاط أوباما غضبًا من رسالة نتنياهو السياسيّة إلى الأوساط الأمريكية، واعتبرها تدخّلًا في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة ودرسًا سياسيًّا خاطئًا.
1.2 الاتفاق النووي الإيراني
- أبرم أوباما الاتفاق النووي مع إيران في يوليو 2015 (JCPOA)، رغم اعتراض تل أبيب الشديد، حيث اعتبر نتنياهو أنّ الاتفاق يحمي إيران من العقوبات ويهدّد أمن إسرائيل وجوديًّا.
- ردّت إسرائيل بحملة دبلوماسية داخل الكونغرس لإسقاط الاتفاق، ما عمّق الشرخ في العلاقة الثنائية.
1.3 عودة التوترات في نهاية ولاية أوباما
- مع اقتراب انتهاء ولاية أوباما، استمرت الانتقادات الإسرائيلية لمسار سياسته الإقليميّة، خاصةً فيما يتعلق بالتمترس الأمريكي في سوريا والتفاوض مع إيران.
- شهدت الفترة الأخيرة من حكم أوباما جمودًا في التنسيق الأمني مع تل أبيب؛ إذ رفض البيت الأبيض إجراء لقاءٍ رسميّ بمستوى لقاء الرئيسين في واشنطن.

2. إدارة ترامب (الفترة الأولى): تراجع التوتر وتعزيز التقارب
2.1 دونالد ترامب يصل البيت الأبيض
- فاز دونالد ترامب في انتخابات نوفمبر 2016، وأُعلنت انطلاقة حقبةٍ جديدة في العلاقة الأمريكية–الإسرائيلية. استقبل نتنياهو ترشيح ترامب بارتياحٍ كبير، بعد سنواتٍ من التباعد مع إدارة أوباما.
2.2 قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس
- في ديسمبر 2017، أعلن ترامب رسميًّا اعترافه بالقدس عاصمةً لدولة إسرائيل، ثم نقل السفارة إليها في مايو 2018. مثّلت هذه الخطوة انتصارًا دبلوماسيًّا لإسرائيل وأعادت المياه إلى مجاريها بشكلٍ كبير في العلاقة المشتركة.
2.3 وقف الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على إيران
- في مايو 2018، أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، وأعاد فرض جميع العقوبات الاقتصادية؛ ما لاقى ترحيبًا إسرائيلًا واسعًا، وصعد زخم التعاون الاستخباراتي بين البلدين ضد طهران.
2.4 صفقات السلاح والدعم العسكري
- أمدّت إدارة ترامب تل أبيب بأحدث منظومات الدفاع الجوي (مثل “القبة الحديدية” و”عاد الجراد”)، وبيعت لإسرائيل مقاتلات F-35 بشروط تفضيليّة. عزّز ذلك شعورًا بالثقة والاعتماد المتبادل على الجبهة العسكرية.
3. حقبة بايدن: عودة بعض نقاط الاحتقان
3.1 انتخاب جو بايدن وصعود توترات جديدة
- فاز جو بايدن في انتخابات نوفمبر 2020، وتسلّم مهامه في يناير 2021. سرعان ما بدأت الخلافات تعود في الآفاق السياسيّة، خصوصًا حول ملف الاتفاق النووي مجدّدًا والتحذير من تصاعد التصعيد في غزة.
3.2 ملف الاتفاق النووي الإيراني
- أعاد بايدن جهود إعادة التفاوض مع طهران حول إحياء الاتفاق النووي (JCPOA)، وهو ما اعتبرته إسرائيل تنازلاً خطرًا. رفع هذا الأمر لهجة النقاش، إذ وجّه نتنياهو انتقادات لاذعة لواشنطن، وحذّر من تراجعٍ أمني لإسرائيل أمام طهران.
3.3 التعاون العسكري وبواعث الاستياء
- واصلت إدارة بايدن توفير الأسلحة لإسرائيل، لكنّها ارتبطت بشروط “تشديد قيود الاستخدام” لتفادي تصعيد الحالات في غزة. استهجنت القيادة الإسرائيلية هذه الشروط واعتبرتها تقييدًا لسيادة القرار الحربي.
- في المقابل، جدد بايدن تحذيره لنتنياهو من أي خطوات أحادية قد تؤدي إلى نزاعٍ إقليمي أوسع، خصوصًا إذا قررت تل أبيب استهداف المصالح الإيرانيّة مباشرةً.
3.4 زيارة أولى دون المرور بواشنطن
- تميز عهده بعدم تنظيم زيارة رسميّة لنتنياهو إلى واشنطن على مستوى الرئيس، في حين زار بايدن إسرائيل، وهو حدث لم يحدث في عهد أوباما، ما أثار جدلًا حول تبني الرئيس الأمريكي أولويات سياسية شديدة التحفظ تجاه الحليف الإسرائيلي.
3.5 التصعيد في غزة
- خلال أزمة غزة في أواخر 2021، واجهت بايدن انتقاداتٍ إسرائيليّة بانحيازه الإعلامي إلى تلطيف الردود الإسرائيلية على القطاع. اتهم مسؤولون في تل أبيب الإدارة بعدم تقديم دعمٍ عسكري كافٍ، فتجددت الاحتجاجات داخل واشنطن من قبل مؤيدي إسرائيل في الكونغرس.
4. عودة ترامب (الفترة الثانية): تصاعد الاختلافات بموازاة تعزيز الدعم
4.1 فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة
- في نوفمبر 2024، حقق دونالد ترامب الفوز في الانتخابات الرئاسية، وعاد إلى البيت الأبيض رسميًّا في يناير 2025 للولاية الثانية. شكّل ذلك منعطفًا جديدًا في ملف العلاقة الأمريكية–الإسرائيلية.
4.2 استقبال تل أبيب لعودة ترامب
- رآى القصر الإسرائيلي في عودة ترامب فرصة لإعادة اللحمة التي توهجت في فترة رئاسته الأولى، خصوصًا بعد الأعوام التي شهدت فيها العلاقة بعض التوتر مع إدارة بايدن. رحّب نتنياهو والقيادات الأمنية بقرار ترامب السريع بإعادة بعض برامج الدعم العسكري.
4.3 التأكيد على الاتفاق النووي الإيراني
- وعد ترامب بإلغاء أو تعديل أي تفاهمات جديدة تسعى الإدارة السابقة لإحيائها مع طهران، وركّز عبر خطاب اليمين الأمريكي على ضرورة الضغط المشدد على إيران. اعتبر ذلك إنجازًا للتوجيهات الأمنية الإسرائيلية التي طالبت بإلغاء الاتفاق كليًا.
4.4 مباحثات ترامب–نتنياهو: عودة الاشتباك في بعض الملفات
- في أول مكالمة مباشرة بين ترامب ونتنياهو بعد توليه الرئاسة، تحدثا حول غزة، فأبلغ ترامب نتنياهو بأنّ واشنطن لن تُعارض أي عملية عسكرية تقودها تل أبيب في القطاع، شريطة “الحدّ من التدمير المدني”.
- في المقابل، نقل الإعلام العبري أن نتنياهو طالب إدارته باستئناف منح الإعفاءات المتعلقة بالاستيطان في الضفة الغربية، وهو ما أثار قلقًا ضمن أجهزة الأمن الأمريكية التي تعتبر الاستيطان عائقًا أمام أي حلّ مستقبلي.
4.5 إدخال الأسلحة للمنظومات الدفاعية والإجرائية
- أجاز ترامب تسليح إسرائيل بمنظومة “ديفيندر” الصاروخية المضادة للطائرات الباليستية، وهو قرار كان متوقفًا أثناء رئاسة بايدن. صرح ترامب خلال لقاءٍ مع نتنياهو أنّ “دعم إسرائيل صلبٌ ولا تقبل المساومة”.
4.6 التحديات المستمرة حول غزة والضفة
- بينما ركّز ترامب على تضييق نطاق عمليات التمويل المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية، زادت الانتقادات الدولية للعمليات الإسرائيلية في غزة والضفة، ما وضع الإدارة الجديدة أمام معضلة؛ دعم الحليف الاستراتيجي من جهة، وتلافي الانتقادات الأمريكية–العالمية بسبب الأوضاع الإنسانية من جهة ثانية.

5. الجوانب الاقتصادية والعسكرية خلال ولاية ترامب الثانية
5.1 حجم المساعدات العسكريّة
- أعلن ترامب عن حزمة دعمٍ عسكريٍّ تقليدية سنوية لإسرائيل بقيمة 3.5 مليار دولار تقريبًا، مع ضماناتٍ لإمكان نقل التكنولوجيا المتطورة (الكوبوند الإسرائيلي) لتعزيز القدرات الدفاعية المشتركة.
- صادق الكونغرس الأمريكي في فبراير 2025 على اتفاقية أمنية تمتدّ خمس سنوات، تتضمن توفير ما لا يقلّ عن 15 مروحية هجومية وأنظمة إنذار مبكر إسرائيلية الصنع.
5.2 المشاريع التكنولوجية المشتركة
- تطرق ترامب، خلال لقائه بوزير الدفاع الإسرائيلي، إلى تطوير مشروع “الشعاع المشترك” (Joint Beam) لتصميم قبة دفاعية جديدة مضادة للطائرات المُسيّرة والصواريخ قصيرة المدى.
- حثَّ الجانبان كبار مسؤولي الأمن على تسريع وتيرة التعاون في مجال “الأمن السيبراني”، خصوصًا في حماية البنية التحتية المدنيّة من الهجمات المحتملة من جماعات مدعومة إقليميًّا.
6. توقعات مستقبلية: فرص التهدئة أو استمرار التصعيد
6.1 محاولات وساطة داخلية
- رغم الدعم الكبير لإسرائيل، يواجه ترامب ضغوطًا من بعض نواب حزبه الجمهوري الذين يشيرون إلى ضرورة التوازن بين حماية حليف استراتيجي والالتزام بالقيم الإنسانية الأمريكية.
- بدأ بعض المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية التهيؤ للتفاوض على موازنة الأوضاع في غزة من خلال مبادرات إنسانية تحت رعاية “الوكالة الأمريكية للتنمية الدوليّة”، في محاولة لاسترضاء الرأي العام العالمي.
6.2 سيناريوهات محتملة في عهد ترامب الثاني
- سيناريو التعاون المتكامل: يستمر دعم واشنطن الكامل لإسرائيل عسكريًّا، مع فتح قنوات تفاوضية هادئة حول غزة والضفة عبر روسيا ومصر كوسطاء، ما يوفر “مساحة تنفّس” مؤقتة.
- سيناريو التصعيد المتجدد: إذا نفّذت إسرائيل حملة عسكرية كبيرة في غزة أو هاجمت مواقع إيرانية مباشرة (مثل المفاعلات النووية)، فقد يتسبب ذلك في خلافات كبيرة مع إدارة ترامب، رغم وعده الصريح بدعم أي خطوة يدافع فيها نتنياهو عن “الأمن الإسرائيلي”.
- سيناريو ضبط الإيقاع القانوني والدبلوماسي: قد يُعاد النظر في آليات التقييم والاستخدام الأمريكي للمنح العسكرية لضمان عدم انتهاك إسرائيل القوانين الدولية، ما يستدعي تعديل بعض بنود الاتفاق الأمني المشترك.
الخلاصة
على الرغم من دعم الإدارة الأمريكية المتكرر لإسرائيل، فقد شهد هذا التحالف صعودًا وهبوطًا في نقاط التوتر بين قيادتي البلدين. خلال عهد أوباما تعمق الخلاف بسبب الاتفاق النووي الإيراني، ثمّ هدأ التوتر في عهد ترامب الأول، ثم عادت التحفظات مجدّدًا في عهد بايدن. ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، يبدو أن التقارب الاستراتيجي يستمر على مستوى الدعم العسكري، ولكن تصاعد الخلافات حول ملفات غزة والاتفاق النووي وإدارة الاستيطان يؤكد أن العلاقة لن تخلُ من التحديات. تتداخل هنا ضغوط حزبية أمريكية وأخرى إسرائيلية، وجميعها ستحدد مصير التحالف خلال السنوات المقبلة من ولاية ترامب الثانية.