توم براك : ” الخواجا “!!.
توم براك : ” الخواجا “!!.
كتب : ناصر شرارة – بات يمكن القول ان هناك مشكلة ليس مع زيارات توم براك الى لبنان بل مع قراءة ما يفعله(!!)؛ بمعنى اخر لا يفهم اللبنانيون كيف يفكر براك وأكثر من ذلك لا يفهمون ما اذا كان الذي يقوله هو جوهر تفكيره ام انه يراوغ ؛ هل يقوم بمبادرة ام بمناورة، الخ..
في خضم ورشة معرفة ماذا يريد ” ابن البلد ” توم براك الاميركي، قد يكون مفيدا هنا استعادة حكايتين اثنتين ؛ الأولى كانت تحدث تقريبا في كل قرية في لبنان خلال فترة ما بين الحربين العالمتين وصولا الى بدايات النصف الثاني من القرن الماضي.
ويمكن وضع مصطلح ” الخواجا ” كعنوان لهذه الحكاية. و ” الخواجا” في عرف اهل القرى اللبنانية؛ هو مغترب لبناني كان ذهب جده إلى دولة بعيدة قد تكون البرازيل او أميركا او استراليا؛ لا فرق.. ثم فجأة تتفاجأ القرية بأن حفيد هذا المغترب الذي ترك القرية منذ نصف قرن ، قرر العودة الى قريته والتعرف على اقاربه وتوزيع الاكراميات للفقراء والارحام والزواج من واحدة من بنات القرية.
و” تلعلع” الموسيقى باستقباله وتنشغل القرية وبمقدمها المختار في تدبير منزل له يقطن فيه، وفي البحث عن فتاة ليتزوجها.. ويلازمه قبضايات القرية كي يلفتوا نظره الى عضلاتهم المفتولة في ايحاء له انهم بالخدمة لاستعمال قبضاتهم فيما لو احتاج لذلك..
ولكن تبرز مشكلة لدى اهل القرية مع ابنهم العائد من اغتراب طويل والذي يتعارفون على تسميته ب “الخواجا” كونه عاش في عالم الخواجات؛ ومفاد هذه المشكلة تقع في ان الخواجا لا يتكلم اللغة العربية ولا يفهمها؛ أضف الى انه حينما يتكلم معه المختار بالاشارة فهو لا يجيب؛ وحتى لو أجاب فإن أشاراته غير مفهومة.
وهكذا يستمر الحال مع الخواجا الذي لا يفهم اهل القرية لغته ولا يعرف هو كيف يوضح بالاشارة ماذا يريد.
وعليه بقي امر واحد يستطيع اهل القرية ان يفهمونه على الخواجا؛ وهو ان يدفع الاكراميات للفقراء والارحام؛ وان يختار فتاة احلامه من بين بنات القرية؛ لكن الخواجا لم يدفع ولم يتزوج رغم أن الإشاعات عن لقاءاته الغرامية السرية شوهت سمعة العديد من بنات القرية ؛ ويستمر هذا حاله ( اي الخواجا ) رغم مرور وقت غير قليل على اقامته؛ فيما المختار يداوم على التلويح له باصابعه العشرة عله، عبثا، يحصل منه على جملة مفيدة..
قصة الخواجا في القرى كانت غالبا ما تنتهي بمرارة وبخيبة امل؛ لأن اهلي القرية لا يفهموا لغة الخواجا، ولأن الخواجا لا يستطيع التصريح بلغة لا يتقنها وليس لديه جلد على لغة التلميح بالاشارات..
سوف يغادر الخواجا كما جاء؛ وسوف يترك الوضع في القرية كما كان عليه حينما سافر جده منذ نصف قرن؛ والجديد الذي سيحدث هو ان القرية ستبدأ بتأريخ يومياتها باستخدام روزنامة ما قبل مجيئ الخواجا ومع بعد مجيئ الخواجا.
نعم بهذا المعنى، سوف يتغير الامر من دون ان يتبدل ؛ وسوف يكون هناك فرق على مستوى انتهاء الوقت وليس على مستوى بداية وقت جديد !!.
اما الحكاية الثانية وهي تستكمل حكاية الخواجا؛ فهي طالما كان يرويها الرئيس كميل شمعون ؛ وخلاصتها عن الاميركي الذي ينصح صديقه بثقة كي يقفز عن ناطحة السحاب؛ ويصر عليه ان يفعل ذلك مؤكدا له بأنه سيضمن له النتائج السليمة .. وبعد ان يقفز صديقه ينظر اليه الاميركي فإذا وجده لا يزال حيا يرزق يقول له ” ألم اقل لك انها سليمة”؛ ام اذا وجده ميتا؛ فإن الميت لن يسأل صاحب النصيحة : لماذا فعلت معي هذا ؟.
لبنان لا يريد دبلوماسية الخواجا؛ ولا يريد ” نصيحة او وصفة القفز عن البرج” ؛ يريد مبادرة اميركية واضحة مع حوافز وارادة؛ وليس مناورة اميركية غامضة تقول للبنان اقفز عن سطح البرج وسترى!!؟.




