حسابات نتنياهو وترامب وخامنئي في الحرب والدبلوماسية


بقلم: عبد الهادي محفوظ
ضربة استباقية… وفائض قوّة مؤقت
قد تكون الضربة الإسرائيلية الاستباقية ضد إيران قد منحت رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو انطباعًا بـ”فائض القوّة”، خصوصًا في ظل تنفيذ اغتيالات استهدفت قادة عسكريين وعلماء نوويين إيرانيين. لكن الردّ الإيراني الذي تلا الهجوم، وإن جاء متأخرًا نسبيًا، سرعان ما قلب الموازين وأعاد الحسابات، مؤكدًا أن الحرب هذه المرة ليست كسابقاتها.
إيران ليست كغزة أو لبنان، بل دولة كبرى تتمتع بموقع جيوسياسي استراتيجي، وتتقاسم الحدود مع ست عشرة دولة، وتمتلك من الموارد والإمكانات ما يمكنها من خوض مواجهة طويلة الأمد. كما أن العدوان الإسرائيلي وحد الداخل الإيراني، إذ أن القدرة النووية تمثل إجماعًا وطنيًا في إيران، منذ زمن الشاه وحتى الجمهورية الإسلامية.
“استفاقة” إيرانية سريعة ومنظمة
ما ساعد طهران على استعادة توازنها بسرعة هو عدة عوامل:
- تسمية فورية للقيادات العسكرية البديلة.
- كشف مبكر للعملاء الداخليين المتورطين في استهداف مواقع الدفاع الجوي واغتيال العلماء.
- الاعتماد على الصبر التاريخي للشعب الإيراني، المرتكز على حضارة عريقة تؤمن بفكرة الدولة الإمبراطورية.
ترامب ونتنياهو: تقاطع تكتيكي لا استراتيجي
من غير المستبعد أن يكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب على علم مسبق بالضربة الإسرائيلية، خاصة وأن نتنياهو كان بحاجة ماسة إليها في ظل محاولات الإطاحة بحكومته في الكنيست، عقب تخلّي الحريديم الأشكيناز عن دعمه.
بالنسبة لواشنطن، المغامرة العسكرية الإسرائيلية لا تشكّل خسارة مباشرة، بل تُستخدم كورقة ضغط لفرض الحل الدبلوماسي النووي مع إيران، عبر التهديد العسكري غير المباشر. فالولايات المتحدة تُركّز على إعادة ضبط سلوك إيران الإقليمي، لا على ملف التخصيب، ما دامت الأخيرة تلتزم بالاستخدام السلمي للطاقة النووية.
توازن الردع وإحراج نتنياهو
لكن مجرى الحرب أتى بخلاف التوقعات الأميركية، إذ لم تُبدِ إيران أي تراجع، بل أظهرت قدرة ردع فاعلة من خلال استهدافها لأهداف حساسة في تل أبيب وحيفا، مخلّفةً دمارًا غير مسبوق في البنية التحتية الإسرائيلية.
هذا الواقع الجديد أربك نتنياهو، وهزّ ثقة الداخل الإسرائيلي بسرديته حول التفوق الأمني، مما دفع ترامب إلى تفادي الانخراط المباشر في النزاع، والسعي إلى التنسيق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لفتح المخارج الدبلوماسية.
إيران تفضّل الدبلوماسية… لتقويض إسرائيل سياسيًا
الحسابات الإيرانية لا تسعى إلى جرّ الولايات المتحدة للحرب، بل ترى أن الحل الدبلوماسي يحقق مكاسب أكبر، أبرزها:
- إضعاف الحكومة الإسرائيلية وتقويض مستقبلها السياسي.
- تعميق الانقسامات الداخلية في إسرائيل بين الأشكيناز والسفرديم.
- إسقاط نظرية اليمين الديني المتطرف حول إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط ودور إسرائيل المحوري فيه.
وبهذا، تختلف أولويات إيران والولايات المتحدة، إذ أن رؤية تل أبيب لحسم الصراع لا تتطابق بالضرورة مع مقاربة واشنطن، التي لا تزال ترى في الحل السياسي مخرجًا أفضل، ولو على حساب حليفها الاستراتيجي.
