صحافة ورأي

«خطوات صغيرة» في خضم اضطراب الجوار

بقلم روزانا بومنصف – صحيفة النهار، 5 أيار 2025

اجتماع المجلس الأعلى للدفاع
اجتماع المجلس الأعلى للدفاع

وسط اشتداد الأزمات الأمنية في الإقليم، يسلك لبنان طريقًا مغايرًا عبر خطوات صغيرة وحذرة تهدف إلى ترسيخ الاستقرار، رغم هشاشة الواقع الداخلي والضغوط المحيطة.

أحدث مؤشّر على هذه الازدواجية تمثّل في تحديث الولايات المتحدة الأميركية لقائمة الدول التي تُحذر رعاياها من السفر إليها، والتي شملت 21 دولة من بينها لبنان. فمع أن هذا التصنيف الأميركي ليس بجديد، إلا أنه يعكس استمرار المخاوف من الأوضاع الأمنية، ما شكّل خيبة أمل لبيروت التي تسعى لتثبيت صورة جديدة أكثر استقرارًا.

في المقابل، جاءت بادرة الإمارات العربية المتحدة عبر رفع الحظر عن سفر مواطنيها إلى لبنان، كمؤشر دعم معنوي كبير. خطوة حملت في طياتها رسالة انفتاح وثقة بالمسار الذي بدأته السلطة اللبنانية، وخصوصًا أن لبنان يعوّل بشكل كبير على علاقاته مع دول الخليج عامة والإمارات خاصة.

في الجنوب، يستمر التحدي الأمني. إذ لا تزال إسرائيل تحتل خمس نقاط في المنطقة الحدودية، بينما تتعرض مناطق لبنانية لاستهدافات متكررة تطال عناصر من “حزب الله”. ومع ذلك، أعلن رئيس الجمهورية العماد جوزف عون أن الجيش أنجز 85% من مهامه في الجنوب، في إشارة إلى تقدم ميداني ملحوظ.

في هذا السياق، اتخذ المجلس الأعلى للدفاع خطوة لافتة حين وجّه تحذيرات واضحة لحركة “حماس”، مشددًا على ضرورة احترام السيادة اللبنانية وتسليم مطلقي الصواريخ. هذه الخطوة، التي طالما تجنّبت الدولة اتخاذها، تشير إلى تطور في أداء الدولة اللبنانية، وتُعدّ رسالة مزدوجة: داخلية وخارجية، تطال أيضًا علاقة “حماس” مع “حزب الله”.

السلطة اللبنانية أظهرت في الأسابيع الماضية نية فعلية بالتحرك. بدءًا من الإجراءات المالية والإدارية، إلى إجراء المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية في جبل لبنان في مواعيدها، ما أرسل إشارات إيجابية للمجتمع المحلي والدولي عن التزام الدولة بإعادة بناء المؤسسات، وتحقيق الانتظام الديمقراطي.

وفي حين يشتدّ التوتر في غزة وسوريا، لا سيما بعد أحداث السويداء، يشق لبنان طريقًا عكس التيار الإقليمي، محاولًا الإفلات من شبح الاضطرابات المحيطة. ومع كل ذلك، تبقى الأسئلة قائمة حول مدى قدرة الدولة اللبنانية، بل حتى إرادتها، في مواصلة هذا المسار الإصلاحي وسط واقع لم يختبر فيه اللبنانيون دولة فعلية منذ خمسين عامًا.

المعركة التي يخوضها لبنان اليوم هي بين تثبيت الاستقرار وتفادي الانزلاق مجددًا إلى الفوضى. ورغم أن خطواته ما زالت “صغيرة”، فإنّ أهميتها تكمن في الاتجاه الذي تسلكه.

⚠ تنويه: المحتوى المنشور يعكس وجهة نظر كاتبه فقط، وإدارة الموقع لا تتبنى ذلك بناءً على سياسة إخلاء المسؤولية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى