منوعات

شارل فؤاد المصري يكتب : في وداع زياد الرحباني

أيتها السيدة العظيمة، فيروز يا من غنَّيتِ للفرح والحب والوطن
يا من حملتِ صوتَ بيروتَ إلى العالم

ويا من حوَّلتي الدمعَ إلى أغنيةٍ والألمَ إلى نشيد.. نقف اليوم أمام حِملكِ الثقيل، ونحني رؤوسنا إجلالًا لأمٍّ فقدتْ وليدَها في غروب العمر، حيثُ تصيرُ الفاجعةُ أقسى، والفراقُ أعمقَ أثرًا

فقدُ الابنِ هو اختبارٌ إنسانيٌّ قاسٍ، لكنَّ فقدَ زيادٍ هو جرحٌ يمسُّ كلَّ من عرفَ في صوتكِ ملاذًا، وفي فنِّه إبداعًا لا يتكرر.

زيادُ لم يكن مجردَ ابنٍ عزيزٍ فحسب، بل كانَ امتدادًا لجمالكِ، وترجمةً أخرى لعبقريتِكِ.

كانَ ملحّنًا مبدعًا، صاغَ اللحنَ كما يُنسجُ الحريرُ، ناعمًا وعميقًا في آنٍ واحد.

كانتْ موسيقاهُ تُحدِّثُنا عن روحٍ شفّافةٍ تتنقّلُ بينَ النوتاتِ بخفّةِ طائرٍ، وتُعلّمُنا أنَّ الفنَّ الحقيقيَّ هو ذلكَ الذي يخرجُ من أعماقِ القلبِ ليصلَ إلى قلوبِ الآخرينَ دونَ استئذان

زيادُ، ككلِّ المبدعينَ الحقيقيين، كانَ ابنَ الكونِ قبلَ أن يكونَ ابنَ لحظةٍ أو اتجاه.
واليوم، حينَ يرحلُ المبدعُ، ويتركُ وراءهُ فراغًا لا يُملأ، لأنَّ الفنَّ العظيمَ هو الذي يبقى حينَ يغيبُ صاحبُه

أيتها الأمُّ الحزينة، لا نملكُ أمامَ دمعتِكِ إلا أن نُشارككِ الحزنَ صامتين.. فالأمومةُ أعظمُ من أن تُفهَمَ بالكلمات، وأعمقُ من أن تُمسَحَ دموعُها بالعبارات.
لكنّنا نعرفُ أنَّ قلبَكِ، الذي علَّمنا كيفَ نحبُّ، هو نفسُه القادرُ على أن يجدَ في الذكرياتِ عزاءً، وفي الألحانِ التي خلَّفها زيادُ رئةً يتنفّسُ منها
لقدْ غنَّيتِ يومًا: “يا حبّي بخافْ عليكْ من هالدنيّا”، والدنيا اليومَ أخذتْ منكِ أغلى ما لديك.
لكنَّ صوتَكِ، الذي حوَّلَ أحزانَ الملايين إلى أمل، سيكونُ حصنَكِ كما كانَ دائمًا.
فلتكوني قويةً كما عهدناكِ، ولتجدّدي فينا الإيمانَ بأنَّ الفنَّ والحبَّ أقوى من الموت
إلى زياد، الرحمةُ والسلام. وإليكِ، يا سيدتي، نُرسلُ تحيةَ محبّةٍ تعرفُ أنَّ الفقدانَ لا يُنسي، لكنَّه يُذكّرنا بأنَّ العظماءَ يتركونَ وراءهم أعمارًا لا تنتهي

⚠ تنويه: المحتوى المنشور يعكس وجهة نظر كاتبه فقط، وإدارة الموقع لا تتبنى ذلك بناءً على سياسة إخلاء المسؤولية .
بواسطة
GOOD PRESS
المصدر
بريد الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى