الجامعة اللبنانية تطلق أول مصنع إلكتروني بإسم “تابليت” داخل حرمها الجامعي

أ.د ماريز يونس
الجامعة اللبنانية تطلق أول مصنع إلكتروني بإسم “تابليت”: خطوة نحو النهوض الوطني
في لحظة تاريخية يعيشها لبنان وسط انهيار اقتصادي وسياسي غير مسبوق، أطلقت الجامعة اللبنانية بالتعاون مع مجموعة طلال أبو غزالة مشروعًا رائدًا يتمثل في إنشاء أول مصنع إلكتروني للألواح الذكية (تابليت) داخل حرمها الجامعي. هذه المبادرة التي تحمل دلالات عميقة تمثل نموذجًا جديدًا للنهوض الوطني من خلال تعزيز التصنيع المحلي وربط التعليم الرسمي بالإنتاج الفعلي.
مبادرة واعدة في زمن الأزمات
تأتي هذه الخطوة في وقت يشهد فيه لبنان انهيارًا شبه كامل للبنى الإنتاجية والمؤسسات الرسمية، مما يضع سؤالًا جوهريًا حول قدرة الدولة على إعادة بناء نفسها من الداخل. ومع ذلك، فإن هذه المبادرة تتجاوز مجرد توفير منتج محلي، فهي تعكس رمزية كبيرة كونها تُظهر قدرة مؤسسة وطنية على تحويل الأزمات إلى فرص، والمساهمة في وضع أسس نموذج تنموي جديد يعتمد على الابتكار والإنتاج المحلي.
رغم محاولات التهميش التي واجهتها الجامعة اللبنانية عبر العقود، إلا أنها صمدت بفضل كفاءاتها البشرية وطاقمها الإداري. والمصنع الإلكتروني اليوم يشكل بداية لمشروع نهضوي محلي يمكن أن يعيد الثقة بالمؤسسات الوطنية، خاصة إذا ما أُدير بشفافية ومساءلة دائمة.
تفاصيل المشروع: شراكة استراتيجية
وُقِّعت الاتفاقية بين رئيس الجامعة اللبنانية أ.د بسام بدران ومجموعة طلال أبو غزالة بعد جهود استمرت عامين، لتثمر عن إنشاء المصنع في حرم الجامعة بمجمع الفنار. وفقًا للاتفاقية، ستتولى مجموعة أبو غزالة توفير المعدات اللازمة وتدريب العاملين، بينما توفر الجامعة الموقع واليد العاملة من الطلاب. إدارة المشروع ستكون مشتركة، وتوزع الأرباح بنسبة 60% للمجموعة و40% للجامعة.
من المتوقع أن ينتج المصنع حوالي 120 جهازًا شهريًا من الألواح الذكية والتابلت، بأسعار تنافسية تسهم في دعم الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل حقيقية للشباب اللبناني. كما يعزز المشروع نقل التكنولوجيا وتوطينها، مما يقلل من الاعتماد على الاستيراد ويقوي الاستقلالية الرقمية للبنان.
التعليم والإنتاج: ردم الفجوة
أحد أبرز التحديات التي واجهها التعليم العالي في لبنان هو الفجوة الكبيرة بين النظرية والتطبيق. هذا المصنع يمثل محاولة أولية لرأب هذه الفجوة من خلال توظيف العلوم التطبيقية والابتكار المحلي. الطلاب المشاركون لا يكتسبون فقط خبرة عملية، بل يتقاضون أجورًا تعزز من فرصهم المستقبلية في سوق العمل أو حتى في تأسيس مشاريعهم الخاصة.
امتلاك أدوات الإنتاج يشكل أحد المداخل الرئيسية لكسر التبعية البنيوية. بهذا المعنى، لم تعد الجامعة اللبنانية مجرد مؤسسة علمية تقليدية، بل أصبحت فضاءً منتجًا ومبتكرًا، يربط المعرفة بالفعل، والتعليم بالإنتاج.
الأبعاد الأمنية: السيادة الرقمية
الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان كشفت عن نوع جديد من الاحتلال الذي يعتمد على الشيفرات الرقمية والأجهزة المبرمجة التي يتم اختراقها وتفعيلها عن بُعد. الأجهزة الذكية المستوردة أصبحت أدوات تعقب وتجسس، مما جعل استيراد التكنولوجيا دون رقابة محلية ثغرة أمنية قاتلة.
وفقًا لمانويل كاستيلز، تمارس السلطة في العصر الرقمي من خلال نفوذ غير مرئي في رموز الاتصال، وليس عبر الاحتلال العسكري التقليدي. ومن هنا، يمثل المصنع بداية لمسار طويل نحو بناء سيادة رقمية تضمن حماية داخلية من خلال إنتاج محلي موثوق، وتقلل من الاعتماد على الخارج.
تحديات واستقلالية الجامعة
على الرغم من أهمية المشروع، لا تزال الجامعة اللبنانية تعاني من تحديات كبيرة تتعلق بتسييسها وإخضاعها لمعادلات الطائفية والمحاصصة. وقد أدى ذلك إلى تعطيل مجلسها الجامعي وتحويل ملفاتها إلى رهائن للمصالح السياسية. ومع ذلك، تبرز هذه التجربة كأمل جنيني في مسار استعادة الجامعة استقلاليتها الفعلية من خلال تعزيز موازنتها عبر الإنتاج المستدام.
ختامًا: خطوة صغيرة لكنها ذات دلالات كبيرة
قد تكون هذه التجربة، إذا كُتب لها الاستمرار والتراكم، نموذجًا يُحتذى به لبناء جامعة مستقلة ومنتجة في قلب الدولة اللبنانية. فالنهوض لا يحتاج إلى معجزات، بل إلى إرادة حرة وقيادة واعية وشراكات منتجة. ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.