صحافة ورأي

الخلاف حول تسليم السلاح إلى تصاعد

رغم انشغال الساحة اللبنانية بالانتخابات والملفات الاقتصادية، يبقى سلاح "حزب الله" في صدارة الاهتمام.

بيروت :Good Press

(بقلم سعد الياس – القدس العربي)

لا يزال موضوع سلاح «حزب الله» في صدارة القضايا التي تثير اهتمام اللبنانيين، على الرغم من الانشغال بجولات الانتخابات البلدية والاختيارية اعتباراً من 4 أيار المقبل، وبإقرار مشاريع مالية عاجلة بالتزامن مع مشاركة الوفد اللبناني في اجتماعات الربيع في واشنطن لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

هدف حزب الله: استعادة القوة المفقودة
هدف حزب الله: استعادة القوة المفقودة

ولم تكن الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس بعيدة عن تلك الاجتماعات في الولايات المتحدة، حيث تحدثت عن «ندرة القادة الذين يتحلون بالشجاعة الحقيقية والذين هم على استعداد لاتخاذ القرارات الصعبة لتغيير مسار بلادهم»، منوّهة بشجاعة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وكذلك رئيس الحكومة نواف سلام لاتخاذ القرارات الضرورية وهي: «الإصلاح، إعادة بناء الاقتصاد، استعادة الدولة، وضمان احتكارها للسلاح وتقديمها الخدمات الأساسية للمواطنين».

إذاً، يحضر موضوع حصرية السلاح في كل يوم وفي كل موقف، في ظل ترقب للحوار المفقود بين رئيس الجمهورية و«حزب الله»، الذي تتباين المعلومات بشأنه بين قائل إنه لم تتوافر بعد مستلزماته وترتيباته، وقائل إن رسائل بدأت بالتبادل بين قصر بعبدا ومسؤولي «الحزب».

وتفيد المعلومات أن التواصل بين القصر و«الحزب» يتم من خلال ممثلين عنهما هما مستشاره وقريبه العميد المتقاعد في الجيش أندريه رحال، ومسؤول وحدة التنسيق والارتباط في «حزب الله» وفيق صفا. وقد اقتصر التواصل على تبادل أفكار واقتراحات ليس أكثر، تمهيداً لحوار ثنائي يتوقع أن ينطلق بين الرئيس عون ورئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد.

انتظار المفاوضات

ولعل ما يؤخر التعجيل في هذا الحوار هو انتظار قيادة «حزب الله» ما سترسو عليه المفاوضات الأميركية الإيرانية، خصوصاً أن البعض يعتقد أن تصعيد اللهجة من قبل قياديي «الحزب» وفي طليعتهم الأمين العام الشيخ نعيم قاسم وعضو المجلس السياسي محمود قماطي ومسؤول وحدة التنسيق والارتباط وفيق صفا، يرتبط برغبة طهران بإظهار امتلاكها لغاية الآن ورقة قوة في لبنان.

وفي هذا السياق، جاءت تغريدة السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني، التي وصف فيها مشروع نزع السلاح بأنه «مؤامرة واضحة ضد الدول… وبمجرد أن تستسلم تلك الدول لمطالب نزع السلاح، تصبح عرضة للهجوم والاحتلال، كما حصل في العراق وليبيا وسوريا»، محذراً «من الوقوع في فخ الأعداء».

اختلاف الرؤى

وبات واضحاً وجود اختلاف في الرؤى بين القصر الجمهوري و«حزب الله»، ففيما يتحدث رئيس الجمهورية بوضوح عن حصرية السلاح بيد الدولة وعن أن القرار متخذ وسيُنفذ، ما زال «الحزب» يتحدث عن الاستراتيجية الدفاعية وعن عدم تسليم السلاح بل عن الاستفادة منه كورقة قوة للبنان في صراعه مع إسرائيل، ما يعني قيام شراكة ملتبسة بين الجيش والجناح العسكري للحزب واستمراراً لمعادلة «جيش وشعب ومقاومة»، وهذا ما عبّر عون عن عدم القبول به من خلال رفضه تكرار تجربة الحشد الشعبي في العراق.

وأكثر من ذلك، عمد مسؤولون في «الحزب» في الأيام الأخيرة إلى وضع شروط وأولويات قبل البحث حتى في الاستراتيجية الدفاعية، وهي وقف الخروقات الإسرائيلية، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من النقاط الخمس في جنوب لبنان، وإطلاق الأسرى، وإعادة إعمار القرى والبلدات المهدمة نتيجة العدوان، رافضين أي حديث عن «انتهاء المقاومة».

وفي وقت يحاول «حزب الله» الإبقاء على علاقة إيجابية مع رئيس الجمهورية، ولو ظاهرياً على الأقل، والتوضيح أن التهديد بقطع اليد التي تمتد إلى سلاح الحزب ليس موجهاً إلى الرئيس عون، فإن سيد القصر ما زال يسعى لاحتواء أي توتر وعدم مقاربة أي خلاف إلا بالحوار وبعيداً عن أي استفزاز.

وهو وإن تحدث عن أن سنة 2025 ستكون عاماً لحصرية السلاح، إلا أنه يحرص على عدم استخدام عبارات مستفزة كـ«نزع السلاح» أو «تسليم السلاح» التي يستخدمها أفرقاء في الحكومة وخارجها، وفي طليعتهم «القوات اللبنانية» والكتائب والأحرار والنائب أشرف ريفي، سعياً منه لعدم ترك أي انطباع بانكسار «الحزب»، ما يزيد من حالة الإحباط التي تشعر بها الطائفة الشيعية بعد الخسائر التي مُنيت بها جراء «حرب إسناد غزة».

تسهيل الحوار مع الضمانات الأميركية

وبهدف تسهيل الحوار والوصول إلى نتائج، يجري الرئيس عون اتصالات مع الدوائر الأميركية راعية اتفاق وقف النار، ومع فرنسا للتدخل مع إسرائيل لوقف الخروقات الإسرائيلية، وإطلاق الأسرى، والضغط لانسحاب الجيش الإسرائيلي من النقاط الخمس، على اعتبار أن هذا الاحتلال يعيق استكمال خطة انتشار الجيش اللبناني والإمساك مع قوات «اليونيفيل» بكامل منطقة جنوب نهر الليطاني.

تمايز بري

وسط ذلك، تُطرح علامات استفهام حول موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يعبّر في مجالسه الخاصة عن علاقة جيدة تربطه برئيس الجمهورية، ويُلاحَظ أنه في كل مرة يزور فيها قصر بعبدا تلتقط الكاميرا عناقه للرئيس عون، بخلاف ما كانت عليه الحال مع الرئيس السابق ميشال عون، حيث غلبت القطيعة على العلاقة بين بعبدا وعين التينة.

وتنعكس هذه العلاقة الطيبة بين عون وبري على لهجة الرئيس بري من موضوع السلاح، إذ إن «الأخ الأكبر» في الثنائي الشيعي لا يُقارب المسألة بنبرة مرتفعة كما يفعل «حزب الله»، بل يبدو أقرب إلى التقاطع مع موقف رئيس الجمهورية الداعي إلى التروي والمرونة في الحوار، مع تبني الضغط على إسرائيل للالتزام ببنود اتفاق وقف النار والامتناع عن الخروقات.

وفي رأي الرئيس بري، فإن «الحزب» نفّذ المطلوب منه، والدولة نفذت ما هو مطلوب منها من خلال انتشار الجيش، أما إسرائيل فلم تنفذ المطلوب منها. ويخلص بري إلى أهمية عدم تسليم كل أوراقنا ووضعها على الطاولة. ولذلك يقول: «لن نسلم السلاح الآن قبل تنفيذ الشروط المطلوبة من العدو. سلاحنا هو أوراقنا التي لن نتخلى عنها بلا تطبيق فعلي لاتفاق وقف النار والذهاب إلى حوار في مصيره».

تخبط داخلي؟

وإذا كان الرئيس بري يتمايز بنبرته عن «حزب الله»، فإن البعض يسأل عن التمايز حتى داخل «الحزب» بين جناح يؤيد انطلاق الحوار مع الدولة والتخلي عن التنظيم المسلح، وجناح آخر متشدد يعترض على أي حوار تكون نتيجته تسليم السلاح.

ولا يستغرب خصوم للحزب هذا «التخبط» بين الجناحين، ولاسيما بعد الفراغ في القيادة إثر اغتيال الأمين العام السابق السيد حسن نصرالله ثم خليفته السيد هاشم صفي الدين، ما ولّد مراكز قوى متنافسة.

كما لا يستبعد هؤلاء الخصوم أن يكون نفي «الحزب» انطلاق الحوار بين رئاسة الجمهورية يُخفي رغبة في إبقاء هذا الحوار بعيداً عن الأضواء تفادياً للإحراج ولعدم حصول أي بلبلة داخل بيئته الحاضنة التي تعتقد أن السلاح هو القادر فقط على حمايتها.

للصبر حدود

لذلك، فإن الاستعدادات للحوار لا تزال في إطار افتراضي، إلا في حال تراجع «حزب الله» عن شروطه المسبقة وعن اندفاعة مسؤوليه في الفترة الأخيرة لرفع اللهجة قبل نقاش استراتيجية الأمن الوطني.

هذا ما يحول دون أي فرملة لإنجاز القرار 1701 بكامل مندرجاته من دون الحاجة إلى وضع جدول زمني لتسليم السلاح، بدل إبقائه في الكهوف وبطون الجبال أو في مخازن المباني، بما يتعارض مع ما ورد في خطاب القسم أو في البيان الوزاري للحكومة اللبنانية.

واللافت أن «حزب الله»، الذي سبق أن تنصل من مقررات «إعلان بعبدا» حول الحياد في عهد الرئيس ميشال سليمان، لا يتوانى عن توجيه السهام إلى الدولة اللبنانية وإظهارها بمظهر العاجز أو المتفرج تجاه الاعتداءات الإسرائيلية، منتقداً اعتمادها فقط على الخيار الدبلوماسي، ويدعوها من حين إلى آخر إلى تحمل مسؤولياتها في مواجهة هذه الاعتداءات، ملوّحاً بأن للصبر حدوداً.

وهذه ليست المرة الأولى التي يدعو فيها «الحزب» على لسان قادته إلى عدم اختبار صبره. فقد سبق للشيخ نعيم قاسم بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار أن حذر في مطلع كانون الثاني من أن صبرهم «مرتبط بقرار التوقيت المناسب»، وقد مرّت الستون يوماً وفوقها ستون أخرى، ولم يرد الحزب على الاعتداءات.

لا حل إلا بالدبلوماسية

في سياق الرد على هذه الانتقادات، أكد الرئيس جوزاف عون قبل يومين أن «لا حل إلا بالدبلوماسية»، مشدداً على أن «اللبنانيين ملّوا الحروب»، مشيراً إلى أن «العمل الدبلوماسي قد لا يعطي نتائجه سريعاً، لكننا نعمل يومياً مع الجهات الدولية بعيداً عن الإعلام».

أما أسباب ارتفاع نبرة «حزب الله» فهي استيعاب النقمة داخل الطائفة الشيعية، خاصةً بعدما تلاشت الوعود بالتعويض وإعادة الإعمار عقب الحرب الأخيرة، كما أن وقف رحلات الطائرات الإيرانية إلى بيروت حرم الحزب من مصادر دعم مالي أساسية.

اهتزاز الحكومة؟

تزايد التصعيد السياسي والاختلافات حول مسألة تسليم السلاح ينبئ بإمكانية دخول لبنان في مرحلة من التوتر قد تلامس اهتزاز الحكومة، رغم تأكيد «القوات اللبنانية» تمسكها بالبقاء في الحكومة وعدم التفكير بالانسحاب.

⚠ تنويه: المحتوى المنشور يعكس وجهة نظر كاتبه فقط، وإدارة الموقع لا تتبنى ذلك بناءً على سياسة إخلاء المسؤولية .
بواسطة
good-press
المصدر
القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

هل ترغب بتثبيت تطبيق Good Press على جهازك؟