القوة الناعمة أو الخشنة وأين المصلحة؟
بيروت:good-press.net|: هذا المقال يتناول موضوع "القوة الناعمة أو الخشنة وأين المصلحة؟" بالتفصيل.
جوزيف ناي و«خيبة القوة الناعمة»: هل ما زالت أميركا تُقنع العالم؟
رضوان السيد
بيروت – good-press.net
قبل ثلاثة أسابيع من وفاته، عبّر المفكر الأميركي جوزيف ناي، واضع نظرية “القوة الناعمة”، عن خيبة أمله العميقة من السياسات التي اتبعها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة فقدت الكثير من جاذبيتها الأخلاقية والثقافية بعدما استبدلت الإقناع بـ”الإرغام” والسلاح.
من القوة الناعمة إلى فوضى الهيمنة
يرى ناي أن أميركا أضعفت صورتها العالمية، لا بسبب تراجع قدراتها، بل لأنها اختارت التهديد بالحروب والانكماش من التزاماتها الدولية، واتبعت سياسة “البلطجة مقابل المال”. وكان أكثر ما صدمه – إلى جانب تسريح عشرات الآلاف من الموظفين الفيدراليين – هو ملاحقة الجامعات التي شكّلت في الماضي أعمدة سمعة أميركا الأكاديمية بعد الحرب العالمية الثانية.

هل أميركا أضعف حقاً؟ أم أقوى وأكثر صخباً؟
رغم ذلك، تبقى الولايات المتحدة قوية عسكرياً واقتصادياً بشكل لا جدال فيه. فالرئيس ترمب لا يتوانى عن تكرار أن بلاده تمتلك “أقوى جيش في العالم”، بل إن كثيراً من خصومها الدوليين، مثل روسيا والصين، يخشون الدخول في مواجهة مباشرة معها، ويفضلون المفاوضة والتهدئة بدلاً من الصدام.
بل إن ترمب – رغم أنه لا يُحبّذ الحروب كما يقول – يُحسن استخدام سلاح القوة لفرض السلام، ما يدفع بعض المحللين لاعتباره يقود استراتيجية ردع بلا حرب، وهي صيغة مريحة لأميركا ومُقلقة للعالم.
اقتصاد عالمي في فلك الدولار
وفيما يشكو العالم من “الهيمنة الأميركية”، إلا أن الاقتصاد العالمي لا يزال يدور حول محور الدولار. فلا الصين قادرة على الانفكاك عنه، ولا النظام الدولي يستطيع التحرر من منظومة التجارة والقيم التي فرضتها أميركا، ولو بخطاب معارض لها.
تقلّص الدولة: خيار أيديولوجي أم تراجع وظيفي؟
ناي أشار كذلك إلى تراجع الإنفاق الفيدرالي في التعليم والصحة والبيئة، وهي ملفات تُشارك فيها الولايات المتحدة المجتمع الدولي، من خلال التزاماتها تجاه الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية، إلى جانب تحالفاتها مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي بدا ترمب مستعدًا للتخلي عنه صراحة.
الجامعات: من منابر تنوير إلى مواقع اشتباه!
يشير الكاتب إلى ما يعتبره “الذروة الأخطر” في الأزمة، وهو تحوّل الجامعات الكبرى – مثل هارفارد وكولومبيا وجورج تاون – من مواقع للحرية والبحث إلى أهداف للمساءلة والمحاسبة. وهي جامعات لطالما كانت عنوانًا لجاذبية أميركا الثقافية في العالم، واستقطبت نخبًا من الشرق والغرب للتعلُّم في بيئة تزخر بالتعدد والانفتاح.
ويذكّر الكاتب بمرحلة الستينات والسبعينات، عندما اجتاحت احتجاجات الجامعات أميركا ضد حرب فيتنام، وكانت تعبيرًا عن حيوية المجتمع الأميركي، لا عن انحداره، بينما اليوم تبدو الأمور أعقد، وأكثر تراجعًا في ظل ما يسميه الكاتب “تواطؤ الديمقراطيين وصمتهم الخائف”.
أزمة الداخل الأميركي لا العالم
يختم الكاتب بالقول إن السؤال الكبير اليوم لم يعد: ماذا تفعل أميركا بالعالم؟ بل ماذا يحدث داخل أميركا؟ المتغيرات الأساسية لم تعد خارجية، بل داخلية. فقد باتت أميركا منشغلة بنفسها، ممزقة بين يمين متشدد ويسار صامت، تعيد صياغة صورتها، ولكن هذه المرة بمرايا متكسّرة.
