ترامب: هل تحوّل دينياً إلى “اليهودية”؟

حافظت الكنيسة على وحدتها حتّى القرن الحادي عشر، قبل أن تنقسم إلى كاثوليكية، عاصمتها روما (الفاتيكان)، وأرثوذكسية عاصمتها إسطنبول. قبل الانقسام بوقت قصير زار بطريرك إسطنبول (البطريرك السبعون بعد المئتين) جزيرة غرينلاند. وهي الجزيرة التابعة الآن للدنمارك والتي يريد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضمّها إلى الولايات المتّحدة.
ترامب: هل تحوّل دينياً إلى “اليهودية”؟
ترامب: هل تحوّل دينياً إلى “اليهودية”؟

كتب| محمد السماك
خلال الزيارة عمل البطريرك على بناء كنيسة صغيرة لا تزال بقاياها قائمة حتّى الآن. وهي الكنيسة الوحيدة التي شُيّدت وقامت على قواعد مسيحيّةِ ما قبل الانقسام.

تلتزم الدنمارك، مالكة الجزيرة دستوريّاً، بالمذهب الإنجيلي. ويتردّد أنّ الرئيس الأميركي تحوّل إلى اليهوديّة. سواء كان ذلك صحيحاً أو لا، فإنّ الولايات المتّحدة التي تضمّ مختلف الكنائس تعتبر الإنجيليّة الكنيسة الأمّ، الأولى والكبرى. وهي قامت أساساً على أكتاف مهاجرين أوروبيين لجؤوا إليها بعقيدتهم المسيحية الإنجيلية بعد سلسلة الحروب الدينية التي تفجّرت في العديد من الدول الأوروبية بين الكاثوليك والإنجيليّين، وخاصة في ألمانيا وفرنسا وإيرلندا.

تختلف الولايات المتّحدة والدنمارك على السيادة على جزيرة غرينلاند. إلّا أنّ الرئيس الأميركي يستطيع بما يتمتّع به من قوّة عسكريّة أن يفرض السيادة الأميركية على الجزيرة… ولكن ماذا عن الكنيسة التي بُنيت قبل تشرذم المسيحية إلى كنائس متعدّدة؟ هل يحوّلها إلى كنيسة إنجيلية أو كاثوليكية أو أرثوذكسية؟ أو ربّما إلى كنيس يهوديّ (إذا صحّ اعتناقه لليهوديّة)!

خلال الزيارة عمل البطريرك على بناء كنيسة صغيرة لا تزال بقاياها قائمة حتّى الآن. وهي الكنيسة الوحيدة التي شُيّدت وقامت على قواعد مسيحيّةِ ما قبل الانقسام

 

المفتاح مع مُسلم

اختلفت الكنائس المسيحية في القدس على من يكون له شرف الاحتفاظ بمفاتيح كنيسة القيامة. كلّ كنيسة تريد أن تكون هي صاحبة هذا الشرف. أدّى الصراع إلى حلّ لا يزال قائماً حتّى اليوم، ويقضي بتسليم المفاتيح إلى عائلة مسلمة من أهل القدس.

لا مسلمين في غرينلاند. جميع سكّانها يدينون بالمسيحية الإنجيلية تأثّراً بجارتها (أو مالكتها) الدنمارك.

حتّى عام 1965 (عام صدور وثيقة نوسترا أيتاتي (“حالة عصرنا” Nostra Aetate) عن المجمع الفاتيكاني الثاني)، كانت الكنيسة الكاثوليكية تعتبر كلّاً من الإنجيلية والأرثوذكسية حركة ثقافية مسيحية غير كنسيّة. أقرّ المجمع كنسيّة كلّ من الإنجيلية والأرثوذكسية، وانفتح الفاتيكان عليهما في إطار الإيمان والعمل من أجل الوحدة المسيحية.

ترمز الكنيسة في غرينلاند إلى هذه الوحدة باعتبار أنّها الكنيسة الوحيدة الباقية منذ الانقسام الكبير. وهي بصغرها تمثّل طموحات وحدويّة مكمّلة لما صدر عن المجمع الفاتيكاني الثاني.

لا مسلمين في غرينلاند. جميع سكّانها يدينون بالمسيحية الإنجيلية تأثّراً بجارتها (أو مالكتها) الدنمارك

 

مباركة الجنود تعطّل المبادرة

حاول البابا الراحل فرنسيس أن يسرّع الخطى من أجل الوحدة المسيحية. كان يخطّط لزيارة بطريرك موسكو الأرثوذكسي، لكنّ صور مباركة البطريرك للجنود الروس ولمعدّاتهم العسكرية وهم في الطريق إلى أوكرانيا، أوقفت مبادرته. فالبابا الذي اتّخذ اسم فرنسيس لقباً له تيمّناً بالقدّيس فرنسيس (الذي خرج من بين صفوف قوّات الفرنجة (القوّات الصليبية) قرب دمياط في مصر، وتوجّه حاملاً الإنجيل المقدّس إلى المعسكر الإسلامي طالباً السلام)، لم يجد لغة مشتركة للحديث عن السلام مع بطريرك يبارك جنود الحرب وآليّاتها. وكان ذلك من حسن حظّ بطريرك إسطنبول بارثالوميو الذي يُعتبر بموجب نظام الكنيسة الأرثوذكسية العالميّة “أوّلَ بين متساويَين”. فقد فتح له الفاتيكان أبوابه العريضة وتعاون معه البابا على أنّه المرجع المسيحي الأرثوذكسي الأوّل في العالم.

 

الآن وقد اعتلى السدّة البابوية بابا جديد من أصل أميركي، بات السؤال: هل يزور البابا والبطريرك بارثالوميو الكنيسة المهجورة التي تمثّل الوحدة المسيحية في غرينلاند؟

بين مخطّط الرئيس ترامب لضمّ جزيرة غرينلاند مع كنيستها إلى الولايات المتّحدة، وإعلان البابا ليون التزام مواصلة مسيرة البابا فرنسيس للسلام مع الذات المسيحيّة ومع العالم المتعدّد الأديان والعقائد، يقف العالم على رِجل واحدة خوفاً وحذراً.

بواسطة
good-press.net
المصدر
اساس ميديا
Exit mobile version