تقرير حقوقي يوثّق عملية «تطهير طائفي» في الساحل

نشرت «لجنة المتابعة الإنسانية وحقوق الإنسان»، والتي يقودها الناشط السوري المعروف، هيثم المناع، تقريراً حقوقياً مطوّلاً يتألف من 72 صفحة، يمثل نتاج جهد أعلن عنه المناع بعيد وقوع المجازر، التي بدأت بشكلها المباشر في السادس من شهر آذار الماضي. ويُعتبر التقرير الذي شارك في إعداده 12 ناشطاً وناشطة من داخل سوريا وخارجها، بحسب مناع، انطلاقة لمجموعة من التقارير والأبحاث التي تتناول مختلف القضايا الأساسية المتعلقة بحق الأمان وجرائم التهجير الجماعي وسياسة الإفقار المنهجي لجماعة سكانية (العلويون) بوصفهم كذلك.
ويوثّق التقرير سلسلة من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والشرعة الدولية لحقوق الإنسان و«ميثاق روما» لـ«المحكمة الجنائية الدولية». وبحسب ما جاء فيه، فقد «أظهرت الأدلة الدامغة نمطاً منهجياً من العنف الواسع النطاق ضد المدنيين، شمل عمليات إعدام ميداني، وتعذيبٍ، وتهجيرٍ قسري، ونهبٍ وتدمير للممتلكات، وتسريحٍ تعسفي من العمل خاصة بحق مجموعة سكانية معيّنة بوصفها من الطائفة العلوية». وبيّن التقرير أن هذه الانتهاكات تورّطت فيها «قوات حكومية، وعناصر أمنيون، وعناصر مسلحون محليون، إلى جانب مجموعات مسلحة أجنبية موالية للقيادة العسكرية الجديدة».
ونُقل عن شهادات ذوي الضحايا، «وجود حالات موثّقة لمنع دفن الجثث، والاستيلاء على المنازل، والإذلال العلني للمدنيين، في سياق يُظهر نية واضحة للإضرار بجماعات محدّدة على أساس طائفي». ويشرح أن «خطاب الكراهية» الصادر من بعض المنابر الدينية والقنوات الإعلامية «ساهم في تصعيد التحريض الطائفي، من خلال دعوات علنية إلى الجهاد والنفير ضد أبناء الطائفة العلوية، ما شكّل عاملاً أساسياً في إذكاء الفتنة الطائفية وتعميق الشرخ المجتمعي».
وعليه، يوصي التقرير، وبشكل «ملحّ»، بـ«تشكيل هيئة عليا مستقلة للعدالة الانتقالية لمحاسبة جميع المسؤولين عن الانتهاكات، سواء من النظام السابق أو الحالي، بعيداً عن نفوذ السلطة التنفيذية، وإنشاء لجنة تحقيق دولية مستقلّة تختص بالجرائم ذات الطابع الإنساني المرتكبة في الساحل السوري، ومناطق ريف حمص وحماة، مع التركيز على جرائم الاختفاء القسري، وخطف النساء والأطفال، وفرض عقوبات دولية صارمة على الأفراد والجهات المتورّطة في الإبادة أو التحريض على التطهير الطائفي، وإحالة المتورطين من الجماعات التكفيرية غير السورية في التحريض والقتل إلى العدالة، وإخراجهم من المؤسسات الرسمية العسكرية والمدنية».
كما يوصي بـ«ضمان الحماية الكاملة للسوريين بصرف النظر عن خلفياتهم الطائفية أو العرقية أو السياسية، بما يكفل السلم الأهلي ويكافح خطاب الكراهية، ونشر لجان مراقبة دولية دائمة في عموم الأراضي السورية لضمان عدم تكرار المجازر، خاصة بحق الأقليات الدينية والطائفية، وإعلان مناطق الساحل السوري كمناطق منكوبة إنسانياً، وضرورة تدخّل الأمم المتحدة بشكل عاجل ومستدام لتأمين المساعدات والدعم».
ويطالب التقرير أيضاً بـ«تسريع إدخال المساعدات الطبية والإغاثية والغذائية عبر منظمات دولية، مع ضمان عدم عرقلتها من قبل الحكومة الحالية، وتوفير تعويضات عادلة للضحايا وأسرهم، وضمان حق العودة الطوعية الآمنة للنازحين، وخاصة المدنيين في قاعدة حميميم (نحو 10,000 شخص معظمهم نساء وأطفال وشيوخ)، وتحمّل المنظمات الدولية مسؤولياتها تجاه السوريين في لبنان (نحو 31,000 شخص)، وضمان سلامتهم وحمايتهم من الانتهاكات».
ويدعو إلى «دعم عاجل من منظمة اليونيسف لتأمين الحماية النفسية والاجتماعية للأطفال ضحايا الصدمة، وتوفير الرعاية للنساء والأطفال المتضررين من الخطف أو الاعتداءات الجسدية، والسماح الفوري بدخول وسائل الإعلام المستقلة والمنظمات الحقوقية إلى المناطق المتضررة لتوثيق الجرائم ونقل الواقع بشكل حيادي وشفاف»، مطالباً «رجال الدين من كل الطوائف، وخاصة مجلس الإفتاء، بإعلان واضح وصريح برفض فتاوى التكفير وخطابات التحريض، وتأكيد حرمة الدم السوري من دون أي استثناء أو تمييز».
كذلك، يطالب التقرير بإلزام القوى السياسية والمدنية بإدانة علنية لعمليات التطهير الطائفي، واعتبار الصمت تواطؤاً أخلاقياً، إلى جانب دعم محاسبة جميع الشخصيات العامة المتورّطة أو الصامتة، بوصف التواطؤ أو الحياد في مثل هذه الظروف خطراً على السلم الأهلي، وتجريم التحريض الطائفي من قبل القضاء السوري، وتطبيق العقوبات وفق الالتزامات الدولية، ولا سيما «اتفاقية مناهضة التمييز العنصري»، معتبراً أن فشل المجتمع الدولي في التحرك الجاد تجاه هذه الانتهاكات يكرّس مناخ الإفلات من العقاب، ويعرّض السلم الأهلي ومستقبل العدالة في سوريا للخطر.
وفي منشور له على حسابه عبر «فيسبوك»، أعلن المناع أنه سيضع التقرير تحت تصرف مجلس الأمن ومنظمات الأمم المتحدة ذات الشأن العاملة على مناهضة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، كما سيتيح جعله «مادة أساسية في الملاحقات القضائية للمجرمين في كل مكان يمكن فيه إقامة الدعاوى القضائية بحق كل من شارك أو تواطأ أو دعم أو غطّى هذه الجرائم».