
بيروت: |good-press.net |
في بلدٍ طبعته الحرب بنيرانها منذ أكثر من عامين، لم تكن الدماء في السودان نتيجة للرصاص وحده، بل امتزجت بصرخات نساء يُغتصبن في الظل، تحت وطأة انتهاكات جنسية مروّعة، وبصمت قاتل. جرائم جنسية تُرتكب بحق الفتيات والنساء السودانيات، اللواتي وجدن أنفسهن عالقات في دائرة الخوف والخشية من الانتقام أو الفضيحة، أو ببساطة لانعدام الطرق الآمنة لطلب المساعدة.
الاغتصاب، التعذيب، وحتى القتل، جرائم تُوجَّه فيها أصابع الاتهام إلى طرفي النزاع من دون استثناء. لكن الواقع أشدّ فظاعة مما يُكشف. فمن بين ضحاياه، من لا يجرؤون على الإبلاغ، إما بسبب غياب مراكز الرعاية، أو لأن مجرد الخروج من القرية مغامرة قد تُكلّف الحياة. وبعض الفتيات ما زلن يقبعن خلف قضبان السجون، متهمات بالتعاون مع أحد أطراف النزاع، فيما أُجبرت أخريات على تحمّل أبشع أشكال العنف الجنسي، لأنهن فقط لم يتمكنّ من إنقاذ الجنود المصابين خلال الحرب.
قصص كثيرة خرجت إلى العلن وكسرت حاجز الخوف. اختلفت وجوه الجلادين إلا أن الضحية واحدة: المرأة السوادنية. نحاول تقصّي الحالات. المهمّة ليست سهلةً، والخوف من الصحافة واقع لا مفرّ منه خلال النزاع. لكل طرف روايته، لكن لكلّ امرأة جرحها الخاص، ألمها الذي لا يروى إلا بهمسة أو دمعة أو صرخة مكتومة.
بعضهن لم يجدن مهرباً سوى الانتحار، هروباً من العار والخذلان؛ وأخريات تمسّكن بالأمل وقرّرن رفع الصوت، لإنقاذ ما تبقّى من النساء.
شهادات مروعة لبعض الناجيات
تستذكر الناجية أمنية خلال حديثها لـ“اليونيسف” كيف كانت تسمع صراخ إحدى الفتيات وبكائها الشديد خلال اغتصابها. كانت لحظات صعبة وقاسية جداً”. أمّا مريم، وهي أمّ لمراهقتين، فتروي كيف جرى اختطافهما لمدة 4 أشهر حيث تعرّضتا للاغتصاب، ثم عادتا إلى المنزل وهما حاملتان”.
تستخدم الجرائم الجنسية كسلاح في حرب السودان. تقارير أممية ودولية صدرت من منظّمات دولية ترفع الصوت بشأن هذه الانتهاكات التي تعتبر “جرائم حرب ضد الإنسانية”. في بعض الحالات، تعرّضت الفتيات إلى العنف الجسدي قبل أن يجدن أنفسهن ضحايا للعنف الجنسيّ. بصوت خافت، تقول الناجية ريم، وهي ابنة الـ13 عاماً، “لقد ضربوني ثم نزعوا عني ثيابي واغتصبوني”.
ذلك اليوم سيبقى محفوراً في ذاكرة ريم وغيرها من الناجيات السودانيات اللواتي وجدن أنفسهن في قبضة العنف الجنسي، يغتصبن بمرارة من دون وجود أي حماية لهن. لا تطلب الناجية زينة، ابنة الـ17 عاماً، “سوى العودة إلى عائلتي. لا أريد شيئاً آخر غير ذلك”.
في أبريل/نيسان 2023، اندلعت الحرب الأهلية في السودان، وارتكب طرفا النزاع انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، يرقى بعضها إلى جرائم حرب، بما في ذلك العنف الجنسي ضد النساء والفتيات. في تقرير وثقته منظمة العفو الدولية، قالت إحدى الناجيات، من اللواتي تعرّضن للاغتصاب في أم درمان: “ليست النساء مَن يقُدن هذه الحرب أو يشاركن فيها، لكنّهن الأشدّ معاناة. أريد أن يعرف العالم كلّه معاناة النساء والفتيات السودانيات، ويضمن معاقبة جميع الأشرار الذين اغتصبونا”.
تُركت في الشارع بلا مأوى
في المقابل، أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريراً بعنوان “الخرطوم لم تعد آمنة للنساء: العنف الجنسي ضد النساء والفتيات في عاصمة السودان”، يوثق العنف الجنسي على نطاق واسع، بالإضافة إلى الزواج القسري وزواج الأطفال أثناء النزاع، في الخرطوم ومدن أخرى.
في إحدى القصص التي وثقها التقرير، يروي طبيب يعمل في العاصمة السودانية الخرطوم، ضمن جهود دعم الناجين والناجيات من العنف الجنسي، مأساة إحدى النساء اللواتي لجأن إلى عيادته بعد تعرّضها للاغتصاب الجماعي. يقول “عندما علمت المرأة بأنها حامل، طردها زوجها من المنزل، وانتزع منها أطفالها. تُركت في الشارع بلا مأوى”.
وأوضح الطبيب بأن المرأة جاءت تطلب إجراء عملية إجهاض، على أمل أن يساعدها ذلك في استعادة أطفالها، “لكن مدير المستشفى رفض الموافقة على الإجراء. قمنا بإحالتها على مستشفى آخر، إلا أنهم لم يتمكنوا من إجراء العملية لعدم وجود طبيب نسائية وتوليد”. وأضاف “بعد أن تجاوز الحمل الشهر الرابع، اضطررنا إلى تقديم دعم نفسي لها لمساعدتها على تقبل الواقع. كان هذا هو الخيار الوحيد المتاح أمامنا”.