فرنسا تخاف فرانز فانون: كيف أعادت المقاطعة إحياء “معذبو الأرض”؟

كتب:بول مخلوف
تصدّر كتاب فرانز فانون الشهير “معذبو الأرض” (1961) قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا مؤخراً، وذلك بعدما تعرض فيلم “فانون” (2025) للمقاطعة في الصالات الفرنسية. وعلى عكس ما ابتغاه المقاطعون، جاءت هذه الخطوة لتضيء من جديد على أفكار فانون الجذرية وتسلط الضوء على نضالاته ضد الاستعمار والكولونيالية.
المقاطعة تعيد إحياء فانون
جاءت المقاطعة التي تعرض لها الفيلم، الذي يروي سيرة فرانز فانون، لتعكس حساسية الشخصيات والأفكار التي يمثلها فانون. فقد انطلقت العروض في 35 صالة سينمائية فقط يوم 2 أبريل (نيسان)، لكن هذا الرقم ارتفع إلى 70 صالة بعد ضغط الجمهور الفرنسي، مما يعكس اهتماماً متزايداً بشخصية فانون وأفكاره.
الفيلم، الذي أخرجه جان كلود بارني وكتب السيناريو بالتعاون مع فيليب برنار، يسلط الضوء على حياة هذا المفكر السياسي والطبيب النفسي الذي ولد في جزيرة مارتينيك الفرنسية وكرّس حياته لنضال الشعب الجزائري.
“معذبو الأرض”: الكتاب الذي لا يشيخ
كتاب فانون “معذبو الأرض”، الذي أصبح اليوم الأكثر طلباً في المكتبات الفرنسية، يعدّ بياناً فلسفياً يحثّ على الممارسة السياسية بقصد التحرر من عنف المستعمِر. يوضح فانون كيف أن المستعمَرين يعانون من شللٍ بسبب هيمنة المستعمِر وما يلي ذلك من اضطهاد وإبعاد. وبالتالي، يعتبر فانون أن الثورة ضد الامبريالية يجب أن تكون عنيفة، حيث إن العنف المضاد هو الآلية الوحيدة التي تتيح للمستعمَر كسر الأصفاد والتحرر منها.
فانون في سياق الحاضر
في الآونة الأخيرة، عادت أفكار فانون إلى الواجهة بسبب الوضع في فلسطين. فالعنف الذي تتعرض له القضية الفلسطينية وتصنيف الفلسطينيين كـ”غير بشريين” يعيد للأذهان النظرة الاستعمارية التي كانت تُقدّم الزنوج على أنهم “بشر أقل”. في هذا السياق، يتم استدعاء طروحات فانون الراديكالية التي تدعو إلى مواجهة الغرب الذي “لا يعرف الاعتدال”.
كان للكاتب الفرنسي جان بول سارتر دور كبير في تعزيز أفكار فانون، حيث كتب مقدمة لكتاب “معذبو الأرض”، داعماً حجج فانون النضالية. ومع ذلك، أثار دعم سارتر للصهيونية غضب زوجة فانون، التي اعتبرته عدواً للجزائريين.
الخلاصة
يعتبر فانون رمزًا للمقاومة وشرعيتها الأخلاقية. من خلال كتاباته، يمنحنا فانون الأدوات اللازمة لفهم العلاقة المعقدة بين المستعمِر والمستعمَر وكيفية تفكيكها. في عالم تمثل فيه إسرائيل صورة الامبريالية القاسية، تصبح أفكار فانون أكثر إلحاحاً. فهو يقدم المسوغات المنطقية لمواجهة نظام لا يترك للمعذبين سوى الموت بالقتل أو اللوعة الحارقة.
هكذا، يعود فانون ليذكرنا بأنه حتى في زمن التضييق والمقاطعة، لا يمكن إسكات الأصوات التي تدعو إلى الحرية والعدالة.