في العلاقة بين القضاء والإعلام وإصلاح الإثنين معًا
أمر يُشكر عليه فخامة الرئيس جوزاف عون، أنه شدد على إصلاح القضاء وتطبيق القانون، واعتبر ذلك مدخلًا رئيسيًا لبناء الدولة. لكن هذا الأمر يرتبط بعناصر كثيرة:
كتب : عبد الهادي محفوظ
هناك تداخل بين القضاء والإعلام، ذلك أن الإثنين هدفهما كشف الحقيقة، ما يستلزم حياد الإعلام ونزاهة القضاء بعيدًا عن الارتهان للطبقة السياسية أو “الرشوة”. فغاية القضاء تحقيق العدالة أولًا وآخرًا، كما معالجة آلاف الملفات النائمة بالأدراج والمرتبطة بالمخدرات وقضايا الثأر.

أمر يُشكر عليه فخامة الرئيس جوزاف عون، أنه شدد على إصلاح القضاء وتطبيق القانون، واعتبر ذلك مدخلًا رئيسيًا لبناء الدولة. لكن هذا الأمر يرتبط بعناصر كثيرة:
-
إبعاد القضاة الفاسدين أولًا.
-
اعتماد الكفاءة.
-
إلغاء المحاصصة في القضاء.
-
قيام كتلة من “القضاة النظيفين” على نمط ما جرى في إيطاليا، حيث تعرّض الكثير من “القضاة النظيفين” إلى ضغوط كثيرة وصلت إلى حد “القتل” من المافيات المتحكمة.
-
أو في العلاقة المشبوهة أو الملتبسة مع المصارف من بعض القضاة، حيث أدى ذلك إلى إفلاسات مؤسسات صناعية وتجارية من دون مبرر عبر “المزاد العلني” أو الحجز التنفيذي، وذلك لقاء “حسابات مصرفية”.
-
عدم تأثر القضاة بالمؤثرات الطوائفية والمناطقية أو بالإيحاءات الإعلامية، كون الإعلام يملك وزنًا غير عادي في توجيه الرأي العام.
وكان من المفترض في خطاب القسم أن يشير إلى “الإصلاح الإعلامي”. فالإصلاح الإعلامي يتناول مجالات عدة، منها:
-
رؤية إعلامية لاستعادة دور لبنان الإعلامي في الإقليم، لإقامة مدينة إعلامية تفسح المجال أمام مؤسسات إعلامية عربية وأجنبية تخضع للقوانين اللبنانية وتعتمد حرية الإعلام المسؤول.
-
فتح المجال أمام الاستثمار العربي في الإعلام المرئي والمسموع والإلكتروني إلى نسبة 49% من ملكية الأسهم.
-
حظر الإعلام الطوائفي الذي يثير الفتن والحساسيات.
-
دور إعلامي تربوي وتثقيفي يعطي مكانة أساسية للمرأة والشباب.
-
إنصاف الإعلاميين في رواتبهم وفي الضمان الاجتماعي والصحي ومعاشات التقاعد ونهاية الخدمة.
-
تحرير الإعلام الرسمي من الوصايات على اختلافها.
-
وأخيرًا: صناعة درامية لبنانية منافسة في المنطقة.
فالإعلام في لبنان يمتاز على غيره في العالم العربي بأنه إعلام حر، وهذه ميزة له في المنطقة يمكن البناء عليها. لكن الإعلام “الحر” هو إعلام مسؤول، يُفترض أن يستند إلى المعلومة الصحيحة والدقيقة والمسنودة إلى مصدر موثوق، وألّا يتوخى إثارة العنف في المجتمع حتى ولو كان الخبر صحيحًا.
غير أن مشكلة الإعلام اللبناني أنه فقد الكثير من صدقيته في العالم العربي، بعد أن تحوّل إلى إعلام محلي لبناني بسبب الحرب الأهلية وغلبة الجانب الطائفي عليه، وبسبب تطوّر الإعلام الخليجي، سواء المكتوب أو المرئي، وتراجع السوق الإعلاني، وتوظيف الإعلان الخليجي في خدمة السياسة الخليجية، واستتباع الإعلام اللبناني أو شلّه.
وهكذا، فإن إصلاح الإعلام اللبناني وإبعاده عن التشهير أو الترويج للإشاعة أو الابتزاز يرتبط قطعًا بتطبيق القانون عند وقوع المخالفة الإعلامية، وهذا ما لا يحصل. ذلك أن المسؤول في السلطة يبحث عن صورته على الشاشة، ولذلك يتحاشى القاضي أن يأخذ الأمر على عاتقه في تحديد ما يجب اتخاذه من تدبير.
وهذا لا يعني مطلقًا أن لا دور إيجابي للإعلام في تصويب اتجاه القضاء أحيانًا. ذلك أن الإعلام الاستقصائي يساعد كثيرًا في إنارة القاضي أو في إبراز الأدلة أو جلب الشهود. من هنا، الدور التفاعلي والتكامل بين القاضي والإعلام. وشرط ذلك تطبيق القانون بشكل مجرد ودون أهواء أياً كانت.
الثقة بالقضاء شرطها قضاة نظيفون، نظيفو العقل واليد. كما شرطها إعلام موضوعي لا استفزازي ولا ابتزازي. كما سلطة سياسية صاحبة قرار، لا توظيف طائفي أو انحيازي أو ممارسة ضغوط غير مشروعة.
فالثقة هي المدخل لعودة الرساميل والاستقرار، كما لتفعيل دور الإعلام وتحويله إلى سلطة بناءة، وإلى تغليب فكرة المواطنة التي لا بناء فعلي للدولة من دونها.
ما نحتاجه فعلاً هو بناء الدولة. ولكن كيف؟ وبأي أدوات؟ سؤال لا جواب عليه حتى الآن من المجتمع السياسي ولا حتى من المجتمع المدني أو الأحزاب السياسية.
فالمشكلة هي أن “الدولة العميقة” في لبنان تفترض إصلاحًا سياسيًا واسعًا، يكون الفاعل فيه “حاملة اجتماعية” عنوانها المواطنة، وهي غير متوفرة. ذلك أن شرطها الأساسي هو “سلم أهلي”، لا حروب أهلية متجددة، وإرادة سياسية بناءة وقاطعة.