مبادلة للاستثمار تبرهن أن الرؤية الإماراتية لا تعرف المستحيل

العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة مبادلة للاستثمار
العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة مبادلة للاستثمار

منذ انطلاقها قبل أكثر من عقدين من الزمن، تسجل مجموعة مبادلة للاستثمار، أحد أبرز صناديق الثروة السيادية في دولة الإمارات العربية المتحدة، قصة نجاح استثنائية قادتها لتصبح قوة استثمارية عالمية مؤثرة.

وفي حوار خاص على شاشة “سكاي نيوز عربية”، يستعرض خلدون المبارك العضو المنتدب والرئيس التنفيذي للمجموعة، رحلة مبادلة المتميزة، بأصول تقدر بـ 330 مليار دولار في 2024، وصولاً إلى تحقيق عائد تراكمي قدره 10 بالمئة على مدى السنوات الخمس الماضية.

تتبنى المجموعة استراتيجيات استثمارية مبتكرة، تتضمن تنويع محفظتها لتشمل قطاعات واعدة مثل الملكية الخاصة والبنية التحتية والتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي. ما جعل لها دوراً محورياً في دعم التنويع الاقتصادي لدولة الإمارات وترسيخ مكانتها كمركز استثماري عالمي رائد.

رحلة طويلة

وحول التوزيع غير التقليدي للمحفظة، يقول المبارك: “بالطبع هي رحلة ممتدة على مدار 20 سنة.. رحلة تعلمنا فيها الكثير وكان دائماً الحافز أنه كيف نتحسن.. وكيف نصبح كمؤسسة استثمارية سيادية من الأفضل في العالم”.

ويتابع: هذا كان هدفنا دائماً، وعبر السنين حولنا من النظام الذي أعتبره كلاسيكياً من ناحية الأجهزة السيادية إلى منظومة جديدة ركزنا فيها خلال السنوات الماضية على “Private Equity” ما أعطانا عائداً أفضل من خلال الاستثمار بشركات خاصة حول العالم.

يذكر أن الاستثمار في الأسهم الخاصة (Private Equity) هو نوع من الاستثمارات البديلة التي تركز على شراء حصص ملكية في شركات غير مدرجة في الأسواق المالية العامة.

ويتحدث عن “إدارة المخاطر”، لافتاً إلى أن “اختيار القطاعات التي ندخل بها كان مهم جداً.. فريق العمل أيضاً عامل جوهري، فهو في نهاية المطاف المسؤول عن هذه الاستثمارات.. وهو فريق ممتاز وبنيناه عبر السنين”، مشيراً إلى أنه  “كما أن الاستثمار في صناعات وطنية أعطانا منصة وطنية مهمة.. واليوم عائد مبادلة من استثماراتنا في دولة الإمارات له دور مهم جداً”.

ويضيف العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة مبادلة للاستثمار أن الـ Private Equity  كان من أبرز نقاط القوة في الشركة، موضحاً أن مبادلة توسعت في قطاعات جديدة مثل الائتمان والتمويل الخاص، وهي مجالات تشتهر بها شركات عالمية كبرى مثل أبولو وKKR، لكن مبادلة دخلت هذا المجال بقوة أيضاً، حتى وصلت استثماراتها إلى نحو 20 مليار دولار في فترة زمنية قصيرة. والأهم، كما يشير، أن عوائد هذا القطاع خلال السنوات الأربع الماضية، وخاصة في عامي 2023 و2024، كانت الأفضل على مستوى المجموعة ككل.

كيانات وشركات وطنية تتنافس على العالمية

والشجاعة في اتخاذ القرار من الأمور المحورية التي قامت عليها “مبادلة” ومن ذلك الاستثمار في أشباه الموصلات، والكيانات المحلية التي تم إنشاؤها سبيس 42، إم جي إكس، وغيرها. ويقول المبارك: “من النجاحات التي نفخر بها في مبادلة أننا استطعنا خلق كيانات وطنية قوية، ودعمناها بصبر حتى وصلت إلى مكانة تنافس بها على المستوى العالمي”.

ويستطرد: “على سبيل المثال، شركة “مصدر” كانت واحدة من هذه الرهانات الناجحة؛ فقد اتخذنا قبل نحو 10 سنوات قرار الدخول في قطاع الطاقة المتجددة، في وقت لم يكن هذا القطاع مربحاً عالمياً وكان يعتمد إلى حد كبير على الدعم الحكومي، كما أن التكنولوجيا فيه لم تكن قد وصلت بعد إلى مرحلة تجارية. لكن كانت لدينا رؤية واضحة بأن هذا المجال سيصبح محوريًا عالميًا، وكان لا بد أن نستثمر فيه ونتعلم منه”.

ويضيف: “بدأنا الرحلة بمشروع صغير في أبوظبي بطاقة إنتاجية تقارب 10 ميغاوات، وكانت كلفة إنتاج الكيلووات حينها تتجاوز 30 سنتًا، وهو رقم مرتفع جدًا ولم يكن تجارياً.. ومع ذلك، كنا ندرك أن التعلم والتوسع على مر السنين سيمكننا من خفض التكاليف والوصول بالقطاع إلى مرحلة تجارية مربحة”.

ويتابع: وبالفعل، انخفضت الكلفة بشكل تدريجي وملحوظ؛ فالـ 30 سنتًا لكل كيلووات انخفضت إلى 15 سنتًا، ثم إلى 10 سنتات، وبعدها إلى خمسة سنتات، واليوم وصلنا تقريبًا إلى نحو 1 سنت لكل كيلووات من تكلفة الإنتاج في المشاريع التي تنفذها “مصدر” داخل دولة الإمارات.

الاستثمار في الطاقة المتجددة

وحول تساؤلات البعض في ذلك الوقت عن سبب استثمار الإمارات في الطاقة المتجددة رغم كونها دولة تعتمد على إنتاج البترول والغاز، يؤكد خلدون المبارك أن “هذا القرار كان صائبًا وفي محله، والنتائج اليوم واضحة في هذا المجال”.

ويشير إلى أن هذا المنهج ينطبق أيضاً على قطاعات أخرى مثل قطاع الألمنيوم، حيث أصبحت شركة الإمارات العالمية للألمنيوم واحدة من أكبر شركات العالم وخامس أكبر منتج للألمنيوم عالمياً، بطاقة إنتاجية تصل إلى نحو 2.4 مليون طن سنوياً.

ريادة إماراتية بمجال التكنولوجيا المتقدمة

وبالحديث عن الشراكات الاستراتيجية، أوضح العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لمجموعة مبادلة، أن التعاون مع شركات كبرى مثل مايكروسوفت وبلاك روك وغلوبل إنفراستراكشر بارتنرز يعكس التزام الإمارات الراسخ بمجال التكنولوجيا والتكنولوجيا المتقدمة، وهو قطاع تعتبر فيه الدولة رائدة إقليمياً، وأصبحت اليوم من الدول الرائدة عالمياً، خصوصاً في مجال الذكاء الاصطناعي.

ويشير إلى أن هذه الرحلة لم تبدأ اليوم، بل تعود إلى سنوات مضت، حين شرعت مبادلة في الاستثمار بمجال أشباه الموصلات في وقت لم تكن فيه جدواه التجارية والاقتصادية والصناعية واضحة بعد، لكنها امتلكت رؤية استراتيجية استشرفت الأهمية المستقبلية لهذا القطاع ودوره في دفع عجلة الاقتصاد العالمي. وقد بدأت هذه الاستثمارات بشركة AMD ثم توسعت لاحقًا إلى شركة GlobalFoundries، وهو ما وصفه المبارك بأنه من أنجح استثمارات المجموعة خلال العقد الماضي.

ويضيف أن مبادلة، خلال السنوات العشر الماضية، انتقلت من التركيز على القطاعات التقليدية مثل الطاقة والبنية التحتية والعقار والأسواق المالية إلى دخول عالم التكنولوجيا بقوة، سواء عبر الاستثمار في أشباه الموصلات أو من خلال الدخول في مجال الـ  (Venture Capital) في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا. وقد منحها هذا التنوع منظوراً أعمق لسوق التكنولوجيا والشركات الرائدة فيه، وساعدها في الوصول إلى مستوى متقدم ينسجم مع توجهات دولة الإمارات وحكومة أبوظبي في التركيز على الذكاء الاصطناعي.

ويؤكد المبارك أنه لا شك اليوم في أن دولة الإمارات تحتل موقعاً متقدماً عالمياً في هذا المجال، وربما تأتي بعد الولايات المتحدة والصين مباشرة من حيث مستوى الالتزام والاستثمار في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي. ومن هذا المنطلق، جاء تأسيس شركة MGX بالشراكة بين مبادلة وG42، تحت مظلة مجلس أبوظبي للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، بهدف التركيز المتخصص على الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، عبر فريق عمل مكرّس بالكامل للعمل على مدار الساعة لتطوير التكنولوجيا والبنية التحتية اللازمة لهذه الصناعة.

ويشير إلى نجاح الشركة في بناء محفظة استثمارية نوعية بالشراكة مع أفضل المؤسسات العالمية مثل بلاك روك، GIP، مايكروسوفت، إلى جانب شراكات استراتيجية مع إنفيديا وX.AI .

كما بدأت إم جي إكس في الاستثمار بأفضل منصات الذكاء الاصطناعي حول العالم، بما في ذلك OpenAI وAnthropic وDatabricks وXAI، وهو ما وفر للشركة توزيعاً استثمارياً متوازناً، وأسهم في تنويع المخاطر بشكل مدروس، الأمر الذي منحها مكانة مهمة في هذا القطاع الواعد.

ويشير في هذا السياق إلى أن هناك ثقة كبيرة بأداء الاستثمارات التي نفذتها إم جي إكس خلال الأشهر الـ12 الماضية، والتي تمثل المرحلة الأولى منذ تأسيسها، معبراً عن قناعته بأن هذه المنصة مرشحة لأن تصبح من بين أكبر المنصات العالمية خلال السنوات المقبلة، بفضل وضوح رؤيتها الاستراتيجية وفريق العمل الذي يقف وراءها.

الطروحات

وحول أهمية الكيانات المحلية العالمية التي تم إنشاؤها تحت مظلة مبادلة، يؤكد المبارك أن الطروحات العامة الأولية (IPO) تُعد جزءاً جوهرياً من استراتيجية عمل مبادلة، مشدداً على أن المجموعة تشجع إدراج شركاتها في الأسواق المحلية والدولية عندما تصبح جاهزة، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تحقق منفعة مشتركة لمبادلة وللشركات وللسوق والمستثمرين، مستشهداً بتجارب ناجحة سابقة مثل إدراج شركة جلوبل فاوندريز في ناسداك وشركات محلية مثل الدار العقارية وتبريد.

ويوضح أن عدة شركات ضمن محفظة مبادلة وصلت إلى مرحلة الجاهزية للطرح في الأسواق خلال الأشهر الـ12 إلى 24 المقبلة، لافتًا إلى أن توقيت الطرح يعتمد على جاهزية الشركة وظروف السوق وتسعير الطرح بالشكل الذي يضمن ربحية وعوائد مناسبة للمستثمرين.

وذكر على سبيل المثال شركة الإمارات العالمية للألومنيوم التي باتت الآن في موقع يؤهلها للطرح، إلى جانب بعض الأنشطة ضمن مجموعة الدار، مشدداً على أن مبادلة تسعى إلى إشراك المستثمرين في رحلة بناء هذه الكيانات ودعم نجاحها المستقبلي.

المشهد العالمي

وحول تقييمه للمشهد الاقتصادي العالمي وما إذا كان العالم يواجه ركودًا، أوضح معالي خلدون المبارك أن المشهد يحمل قدرًا كبيرًا من الضبابية في الوقت الراهن، مشيرًا إلى صعوبة التنبؤ بما ستؤول إليه الأوضاع خلال الأشهر المقبلة. ولفت إلى أن هناك العديد من المتغيرات المؤثرة، وعلى رأسها قضية التعريفات الجمركية التي تُلقي بظلالها بشكل مباشر على معدلات النمو، سواء على مستوى الاقتصاد العالمي أو الاقتصاد الأمريكي أو حتى الاقتصاد الآسيوي، مؤكدًا أن هذه العوامل تمثل عناصر غير واضحة حتى الآن ويجب التعامل معها بحذر في قراءة المشهد المستقبلي.

ويشدد على أنه بالنسبة لتأثيرات ما يحدث اليوم، من الصعب التنبؤ بالآثار على المدى القصير، لكن علينا أن نكون واقعيين، فالسنوات الخمس الماضية لم تكن سهلة في التنبؤ أيضاً. فالعالم مرّ بتحديات غير عادية، بداية من جائحة كوفيد-19 وتأثيرها الكبير على الأسواق العالمية، وهي كانت حالة طارئة لم يكن أحد يتوقعها. ثم جاءت الحرب الروسية الأوكرانية التي أضافت مزيداً من التعقيد، إلى جانب التحديات بين الولايات المتحدة والصين. كل هذه العوامل أثرت بشكل كبير على الأسواق العالمية في فترة زمنية قصيرة.

ورغم هذه التحديات، لم يكن التأثير على المدى الطويل كبيراً، فقد شهدنا تصحيحات في الأسواق على المدى القصير، سواء في عام 2022 أو في بداية 2024، لكن النمو استمر، وظهرت الأسواق من جديد في اتجاهها نحو الاستقرار والنمو على المدى الطويل”.

ويضيف:

ماذا عن المستقبل؟

وحول رؤيته لمستقبل مبادلة بعد 20 سنة، قال معالي خلدون المبارك: “كانت مسيرة مميزة في الـ 20 سنة الماضية، ونحن فخورون بما تم إنجازه خلال هذه الفترة. لكن، ما يهمنا اليوم هو المستقبل.. وما يهمنا هو ما سيحدث في  السنة القادمة، والخمس والعشر والعشرون سنة المقبلة.. اليوم، مجموعة مبادلة في موقع متميز، وهذا يعطيها فرصة كبيرة للنمو بشكل ملحوظ خلال السنوات القادمة.”

 

بواسطة
GOOD PRESS
المصدر
SKY NEWS
Exit mobile version