مشروع غزو واسع لغزّة: إسرائيل لا تفهم الدرس

توحي التصريحات الإسرائيلية الرسمية أخيراً، جنباً إلى جنب التسريبات التي تنقلها بعض وسائل الإعلام عن مسؤولين إسرائيليين حول «الخطط» المستقبلية للحرب على قطاع غزة، بأنّ تل أبيب تضرب عرضَ الحائط بالرسائل التي حاول العديد من المسؤولين والمحلّلين الغربيين والإسرائيلين، طوال فترة القتال، إيصالها إلى حكومة بنيامين نتنياهو المتطرّفة، والتي تركّز، بشكل خاص، على ضرورة «الاستفادة» من دروس حروب الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وفييتنام، «وتحديد أهداف سياسية قابلة للتحقيق»، تقود أيّ عمليات عسكرية محتملة.
على أنّه منذ الأيام الأولى التي أعقبت عملية «طوفان الأقصى»، بدا واضحاً أنّ إسرائيل ترفض الحديث عن أيّ «نهاية مستدامة» في غزة، فيما تهدف ممارساتها، بشكل واضح، إلى القضاء على أي فرصة لإنشاء «دولة فلسطينية مستقلة»، بالإضافة إلى تحقيق رغبتها في فرض السيطرة الكاملة على الضفة الغربية المحتلة، قبل أن تعلن، حديثاً، عن نيتها «السيطرة على القطاع بأكمله».
وعلى ضوء ما تقدّم، دأب العديد من المراقبين على التحذير من أنّ «العقلية» الإسرائيلية الحالية، تمهّد الأرضية للمزيد من الصراعات المسلّحة المستقبلية، ولـ»حروب من دون نهاية»، لا تتوقف إلا بموجب «فترات من الهدوء المؤقّت»، والذي تشوبه التوترات. ومع ذلك، يبدو أنّ صنّاع السياسة الإسرائيليين الحاليين، متمسّكون بمبدأ أنّه «لا أمن لإسرائيل مع وجود الفلسطينيين» في أرضهم، ما دفع بهم أخيراً إلى مناقشة خطط لاحتلال غزة، على الرغم من أنّه لا يزال من غير الواضح كيف يمكن لإسرائيل أن تحقّق، خلال الأشهر القادمة، ما فشلت في تحقيقه طوال فترة عدوانها على القطاع.
وفي السياق، وبعد أيام من إعلان وزير الدفاع في حكومة الاحتلال، يسرائيل كاتس، الجمعة، عن خطط لـ»ضم أراضٍ في غزة بشكل دائم»، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية عن مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين قولهم إنّ القادة السياسيين والعسكريين في إسرائيل، يدرسون خططاً لـ»حملة برية جديدة»، يمكن أن تشمل احتلالاً عسكرياً للقطاع بأكمله، يمتدّ لـ»أشهر أو أكثر».
ومن المحتمل أن تنطوي «التكتيكات الجديدة والأكثر عدوانية» المشار إليها، على السيطرة العسكرية المباشرة على المساعدات الإنسانية، واستهداف المزيد من القادة المدنيين لدى «حماس»، وإجلاء النساء والأطفال وغير المقاتلين الأحياء إلى «فقاعات إنسانية»، قبل محاصرة «كل من يتبقّى في القطاع». ويزعم المسؤولون الذين يبحثون مثل تلك الخطط أنّهم «ينتظرون نتيجة محادثات وقف إطلاق النار»، مشيرين إلى أنّه «لم يتم بعد اتخاذ أي قرار بشأن ما إذا كانت إسرائيل ستصعّد المرحلة الحالية من الهجوم، ومتى ستفعل ذلك»، وأنّهم «لا يزالون على استعداد للتفاوض مع (حماس) من خلال الوسطاء، قبل شنّ أي غزو واسع النطاق».
وطبقاً للصحيفة الأميركية، يتطلّب تنفيذ الغزو، على النطاق المذكور، ما يصل إلى خمس فرق عسكرية، وهو يخاطر بـ»تمديد الجيش الإسرائيلي»، ولا سيما أن جنود الاحتياط يعبّرون بشكل متزايد عن تردّدهم في خوض «حرب مفتوحة»، في وقت تُعتبر فيه تلك التكتيكات المتطرفة، بحد ذاتها، خروجاً عن موقف جيش الاحتلال، والذي كان قادته السابقون يحذّرون من «الغرق في قطاع غزة».
وفي محاولة لتبرير الاستراتيجية المشار إليها، يجادل بعض المسؤولين الإسرائيليين بأنّ «الغزو الشامل والفوري، وحده، مقروناً بجهود طويلة لمكافحة التمرد وإزالة التطرف»، من شأنه أن يحقّق هدف رئيس وزراء الاحتلال المعلن، والمتمثّل في القضاء على «حماس». وتنقل الصحيفة عن النائب السابق لرئيس «قسم غزة العسكري»، أمير أفيفي، قوله إنّ «الخلافات بين القادة السياسيين والعسكريين حول التكتيكات والاستراتيجية في قطاع غزة، ومخاوف إدارة جو بايدن السابقة بشأن إلحاق الضرر بالمدنيين الفلسطينيين»، كانت تقيّد «حملة الجيش الإسرائيلي»، مشيراً إلى أنّه مع وصول إدارة ترامب إلى السلطة والتغييرات في «مؤسسة الدفاع الإسرائيلية»، تمّ التخفيف من تلك القيود.
ويردف أفيفي: «الآن هناك قيادة جديدة للجيش الإسرائيلي، ودعم من الولايات المتحدة، وما يكفي من الذخائر»، كما «أننا أنهينا مهامّنا الرئيسية في الشمال ويمكننا التركيز على غزة»، واصفاً الخطة المطروحة بـ»الحاسمة»، والتي ستضمن «هجوماً واسع النطاق، لن يتوقف حتى يتم القضاء على (حماس) بالكامل»، على حدّ تعبيره.
وبالتوازي مع الإعلان عن الخطط الإسرائيلية «الطموحة»، تكثر الأسئلة في أوساط مراقبي الحرب عن كيفية تحقيق الأهداف المذكورة، فيما يبدو أنّ إسرائيل، نفسها لا تمتلك أجوبة واضحة عليها. وفي هذا الإطار، تشير مجلة «تايم» الأميركية، في تقرير نُشر أخيراً، إلى أنّه «ما من أحد يعرف» ما ستؤول إليه الحرب «الجديدة» على غزة، ومتى يمكن أن تنتهي، مضيفة أنّه بعدما لم تتمكّن إسرائيل من القضاء على «حماس»، ولا تأمين إطلاق سراح معظم الرهائن من خلال الضغط العسكري طوال الحرب، فلماذا ستكون قادرة على القيام بذلك الآن؟
ويتساءل أصحاب الرأي المتقدّم عما إذا كان «جنود الاحتياط الإسرائيليون المنهكون يتمتّعون بالروح المعنوية لخوض حرب أبدية»، وما إذا كانت هذه الحرب ستنجح في «إعادة الاحتلال العسكري الكامل لغزة، والاستمرار في توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وصولاً إلى ضمّ الأخيرة»، مشيرين إلى أنّه «في حال كانت لدى الحكومة الإسرائيلية إجابات على أيّ من تلك الأسئلة»، فهي تمتنع، حتى اللحظة، «عن الإعلان عنها». وعليه، ينصح معدّو التقرير إسرائيل بالتخلي عن خططها، والقبول بإنهاء الاحتلال وإنشاء «دولة فلسطينية»، كسبيل أمثل لـ»ضمان أمنها»، «وخلق شرق أوسط أكثر سلاماً».
المصدر :الاخبار