الكاتبةإسراء أبوطعام
أيامٌ قليلة تفصلنا عن تسلُّم الرئيس المُنتخب “جو بايدن” سُدَّة الرئاسة الأمريكية رسميًا، ووفقاً لبعض التحليلات السياسية، فهو يحمل في جعبته حلحلةً لأمورٍ عدَّة في الداخل الأمريكي والمنطقة. ولكن ما حدث مؤخرًا في أمريكا من أعمال شغبٍ وتخريبٍ وزعزعةٍ للأمن الداخلي، أنذر بخطرٍ محتّم يهدد السيادة الأمريكية ويضع استقرارها على المحك. أما فيما يخصُّ الإتفاق النووي الإيراني، وعلى الرغم من أنَّ العلاقات بين الطرفين تطفو على صفيح ساخن، فقد أعلن مؤخراً الحزب الديموقراطي في الكونغرس موافقته على العودة إلى إطار الاتفاق ولكن مع بضعِ شروطٍ ضرورية تضمن سلامة هذه العودة. ويعتبر هذا القرار من ضمن مقررات بايدن للإصلاح وتهدئة الأوضاع، حيث شدّدَ على ضرورة عودة الإتفاق بما فيه مصلحة المنطقة وتحقيق إستقرارها، مؤكداً أنه سيتم رفع العقوبات التي فرضها ترامب على إيران بحال إمتثلت الأخيرة للإتفاق. أما إيران، فقد استأنفت مؤخرًا العمل في تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى20 بالمئة، مخالفةً بذلك بنود الخطة المشتركة الشاملة(JCPOA)، وكأنَّها ترد على قساوة العقوبات الأمريكية التي فرضها ترامب عليها منذ سنوات وشل حركتها الإقتصاديّة.
انطلاقاً مما تقدم، أكدَّ الباحث في العلاقات الدّولية والإقتصادية الدكتور علي حمّود أن الـ” ٢٠٢١” ستكون سنة التسويات بالنسبة لأمريكا والمنطقة، وعودة الإتفاق النووي الإيراني مع أميركا ليس مستحيلاً، لكنه سيأخذ وقتاً، خاصةً أنّه ليس الملف الوحيد الذي سيكون على طاولة الحوار بين الأمريكي والإيراني، فمصلحة أمريكا، بجميع إداراتها ومؤسساتها، تعتمد على وجود إسرائيل الآمن في المنطقة.
وأشار حمّود إلى أنَّ المشرّعين في البرلمان الإيراني بقيادة الرئيس روحاني، أعلنوا عن مباشرتهم بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20٪ في منشأة فوردو، وبذلك تكون إيران قد خفضت التزاماتها بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) بشأن الملف النووي والتي تم إبرامها في عام 2015 وفقاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231.
وأضاف الباحث:” إيران لا ترى في هذا القرار مخالفةً لموجب الخطة، خاصةً بعد إنسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الإتفاق في العام ٢٠١٨، وفرضه عقوبات اقتصادية قاسية عليها، كان من شأنها إلحاق ضرر بالغ في إقتصادها.
في هذا السياق، لفت الدكتور علي إلى أنّ رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية (AEOI) علي أكبر صالحي كان قد كتب إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ١ كانون الثاني، يبلغها بقرار الإعتزام على التخصيب بموجب قانون جديد أقره البرلمان الإيراني حديثًا، وبالفعل إستأنفت إيران العمل بهذا القرار في 4 كانون الثاني من العام الجاري.
وعليه، رأى حمّود أن إيران بدأت بتخفيض تعهداتها النووية بشكل تدريجي، مشيراً إلى أن روحاني أكدَّ العودة للإتفاق بمجرد عودة أمريكا والغائها العقوبات المفروضة على إيران، الأمر الذي يحمل في طياته إصلاحًا كبيرًا ويسهل التعاملات التجارية دون قيود بين إيران والدول الأوروبية بما فيها روسيا والصين.
وتابع:” رغم أن هناك طيف معارض لهذه الأمور في الداخل الإيراني، لكن هناك إتفاق مبرم بكافة التيارات السياسية، بين الطيفين الداخلين، المتشددين والإصلاحيين، بدءًا من رفع العقوبات (الخطوط الحمراء)، وبرنامج الدفاع والصاروخ الباليستي العابر للقارات، وصولاً لتحالفاتها في المنطقة من العراق الى اليمن وسوريا ولبنان.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران المقبل وفي ظل المنافسة القائمة بين الإصلاحيين والمتشددين من أجل الفوز بالمنصب، خاصةً وأن كل المؤشرات تشير إلى فوز محتم للمتشددين، لفت حمّود إلى أنَّ الوقت يبدو ضيقًا جدًا، إذ ليس هناك سوى خمسة أشهر لإنجاح العودة للإتفاق النووي بين إدارة بايدن وحكومة روحاني، مشيرًا إلى أن وصول المتشددين إلى سُدَّة الرئاسة سيشكل عقبة حقيقية بوجه عودة هذا الإتفاق.
وبشأن تهديدات ترامب ومخاوف ظريف، أكدَّ حمّود أنَّ ترامب لم يعدْ يملك أي ورقة لشنّ حرب على إيران، خاصةً بعد أن خَسِرَ ورقته الأخيرة وشعبويته الترامبوية داخل الكابيتول على أثر أعمال الشغب والتخريب التي أحدثها أنصاره مؤخراً، مضيفاً أنَّ سقف تهديدات أمريكا لإيران هو الإغتيال، كما فعلت مؤخرًا مع سليماني وزادة، ولا يمكن أن نتوقع منها أكثر من ذلك.
وتعقيباً على ما سبق، يرى الباحث في العلاقات الدّولية أن الملف النووي سيكون شائكًا بالنسبة إلى بايدن، وذلك بسبب وجود اسرائيل في دائرة الوسط، والتغييرات في نهج أمريكا تجاه إيران وبرنامجها النووي ستؤثر على حسابات الأمن القومي الإسرائيلي الرئيسية، لذا من مصلحتها لجم بايدن عن إحياء هذا الإتفاق.